كنوز مبعثرة

كنوز مبعثرة!

كنوز مبعثرة!

 العرب اليوم -

كنوز مبعثرة

حسن البطل

تقول الأسطورة: قوم من الأقوام البائدة (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) أعلوا تمثالاً جسيماً.. وفاخراً: مكان عينيه وضعوا ماستين وهاجتين. سكبوا وجهه من ذهب خالص. صنعوا جذعه من البرونز، وجعلوا له يدين من نحاس، وحوضاً من حديد، وساقين من حجر.. وأخيراً، قدمين من فخّار. تقول الأسطورة: ضربت الأرض زلزلة ما، أو ضربت التمثال صاعقة من السماء.. فإذا بتلك العجيبة وقد اختلط ماسها بذهبها، حديدها بترابها.. .. ومنذ ذلك الوقت، يواصل ابن آدم التنقيب عن الماس ليصقله، وعن التبر ليصوغه؟! * * * تذكرت هذه الأسطورة، وأنا أتصفح "الكنوز" التي تركها وراءه شاعرنا إبراهيم طوقان، كما جمعها الشاعر المتوكل طه. تمنحك تلك "الكنوز" متعة قراءة سوسيولوجية لـ "ظرف مكان/ زمان" فلسطيني، لكنها تطرح أسئلة وجيهة عن علة "تقديس" ما ندعوه "رموزنا" الثقافية.. حتى في "إبداعاتهم"! كنوز "شاعر الحب والثورة" نبّشها ووضّبها المتوكل، دون "انتقائية في التراث" علّل محاذيرها. لكن، هل أن حُكم الذي يلتقط التبر من هنا، والحجر الماسي من هناك، هو حُكم "المحقّق"، أم أن اللاانتقائية في التراث، تسمح بانتقائية وحيدة: "أن يكون عقلك وقلبك على هذه الأمة" كما يقول المتوكل في توطئته لـ "الكنوز". ربما الذائقة الشعرية هي التي تتبدل، فلا ترى في "شاعر الحب والثورة " سوى شاعر "الثورة"، صاحب الرباعيات الشهيرة: ("الثلاثاء الحمراء"، "موطني"، "الشهيد"، "الفدائي"). النبض في هذه القصائد يضرب على وتر ذائقة وطنية - حماسية لا تزال لهّابة حتى الآن. وأما الذائقة الشعرية؟!! * * * ربما وجدتُ "التبر" في نثر ابراهيم طوقان لا شعره، وظرافته في اسلوبه.. ولمحات من تنبؤاته العلمية بأن يأتينا، بعد قرن (إبراهيم طوقان 1905 - 1941) يصير فيه الورق ثميناً، فلا نحشوه بالغثّ من الأفكار.. أو توضيب الأفكار لا انتقائياً؟! "سئل الشاعر محمد بن مناذر: أي الشعراء أحب اليك؟ أجاب: الشاعر الذي أنا فيه" (ص62). ربما وجد زميلنا المتوكل بعضاً من نفسه في شاعرنا إبراهيم طوقان، فجمع لنا "كنوزه"، سواء منها الثمين أو "سقط المتاع" فأعطانا مصدراً يمكن أن يبني عليه أديب "مُحقّق" في وقت لاحق، يتفرغ لصقل الماس، وصياغة التبر ذهباً مشغولاً بدقة.. وربما تكرير النفط الخام الى أصنافه. فعلى "المحقق" أن يكون كل ما سبق.. وإلاّ، فعلى القارئ أن يتعب ليغربل عناصر "التمثال" الذي رفعه لشاعرنا إبراهيم طوقان! الجهد ملحوظ ومشكور، و"اللاتدخل" ملحوظ جداً، لكن عندما يتدخل المتوكل لا يوفق في ذلك دائماً: في (ص41) تساءل عن هفوة طوقان، الذي كتب "اللذين" بدل "الذين".. لكن في تدخل آخر (ص37) نسي كل الكلمات العامية في رسالة إبراهيم لشقيقته فدوى، وانتبه إلى "إنشا الله" بدل "إن شاء الله"! حرْص طوقان على ماله يبدو "جاحظياً": ففي رسالته إلى قدري يسأله: "هل تذكر في حياتك أنك ظفرت بقرش مني" وفي بعض شعره يبدو "إباحياً"؛ وبعض نثره يبدو "واعظاً" أخلاقياً! وهناك، أدبياً، قصة انتحال الشاعر "الأخطل الصغير" (بشارة الخوري) قصيدة "موطني" لشاعرنا طوقان، مثبّتة بمقارنة نصيّة.. أبعد ما تكون عن "التخاطر"، الذي نجده في بعض شعر طوقان من شعراء عرب سابقين زمن الجاهلية. ثمة آراء لطوقان تبدو "غير ديمقراطية ": "لا يزال المسلمون يقومون بواحد ويقعدون بموته" (ص32). الى شعره ونثره، هناك كونه صحافياً (صحفاً وإذاعة)، ومحرراً أدبياً، ومذيعاً. هنا تعثر على "كنز" حقيقي: في حديثه من إذاعة فلسطين 2/7/1940 مع المهندس ميشال سماحة، نكتشف شيئاً مدهشاً: تعاونت الأوقاف الإسلامية مع سكان المستعمرات اليهودية لتجفيف وادي الفالق (بين يافا وطولكرم) بكلفة 22 ألف جنيه فلسطيني، نصفها من الحكومة والباقي من الأوقاف والمستعمرات اليهودية. بذلك، تم القضاء على "الملاريا" في المنطقة، قبل أن تنجح إسرائيل بتجفيف بحيرة الحولة، سوى أن مشروع الفالق يبدو أنجح بكثير.. لأنه تم "على أحدث طريقة فنية لم تتبع إلا في أميركا وحدها" فصارت 8 آلاف دونم أرضاً زراعية ممتازة، بعدما كانت موبوءة بالملاريا، و40 ألف دونم أخرى صارت صالحة للسكن والاستغلال، وتعطي ثلاثة مواسم بدلاً من موسم واحد: "ست ملفوفات انحشرت في مقعد خلفي يتسع ثلاثة ركاب" (ص179). * * * هناك "كنوز" حقاً جمعها المتوكل طه، وترك للقارئ عناء التقاطها.. أو ترك للباحث أن "يحقق" ما "جُمع" بين دفتي كتاب. ملاحظة أخيرة: نعامل "رموزنا" الثقافية بكل الاحترام، لكن نعامل "رموزنا" السياسية بموضوعية أكثر.. لا تخلو من "التحامل" أيضاً. 24-9-1998  

arabstoday

GMT 05:07 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

«الحياة الأبدية» لمقاتلي روسيا

GMT 05:01 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب... السنجاب المحارب!

GMT 05:00 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الأولوية الإسرائيلية في الحرب على لبنان

GMT 04:57 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

تثمين العقلانية السعودية

GMT 04:55 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

من ينتخب الرئيس... الشعب أم «المجمع الانتخابي»؟

GMT 04:53 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

«أرامكو» وتحوّل الطاقة

GMT 04:52 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

بريطانيا: المحافظون يسجلون هدفاً رابعاً ضد «العمال»

GMT 04:50 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

اليوم التالي في واشنطن استمرارية أم انعطافة؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كنوز مبعثرة كنوز مبعثرة



هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 16:06 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه
 العرب اليوم - بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه

GMT 02:43 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريس "قلق جدا" لوجود قوات كورية شمالية في روسيا
 العرب اليوم - غوتيريس "قلق جدا" لوجود قوات كورية شمالية في روسيا

GMT 10:59 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حمية مستوحاة من الصيام تدعم وظائف الكلى وصحتها

GMT 08:56 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

هجرات جديدة على جسور الهلال الخصيب

GMT 17:12 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 31 شخصا على الأقل في هجمات إسرائيلية في قطاع غزة

GMT 03:11 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الخطوط الجوية الفرنسية تعلق رحلاتها فوق البحر الأحمر

GMT 22:38 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 5.2 درجة على مقياس ريختر يضرب شمال اليونان

GMT 17:36 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة 32 جنديا بينهم 22 في معارك لبنان و10 في غزة خلال 24 ساعة

GMT 01:36 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الدولة الفلسطينية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab