عـيـون الأكـاسـيــا

عـيـون الأكـاسـيــا ؟

عـيـون الأكـاسـيــا ؟

 العرب اليوم -

عـيـون الأكـاسـيــا

حسن البطل

الشجر العالي كان نساء/ كان لغة" محمود درويش *** المعنى في قلب الشاعر، وما في قلبه على لسانه. المعنى في قارئ الشاعر في عيونه، وما في عيونه على قلمه. شاعر إغريقي عظيم رأى نوار اللوز، فقال: رأيت الله. .. وأنا رأيت نوار اللوز، وشجرة اللوز ميقات (ساعة بيولوجية) تستيقظ فيها من سباتها الشتوي، سواء إن كان الشتاء شحيح المطر أو مدرار المطر. الشاعر رأى ما يرى سواه: الشجرة أنثى، والأنثى طفلة عذراء بكر لا تحمل زهراً لا يعقد الزهر ثمراً، أو امرأة ثيّب تحمل زهراً لا يعقد ثمراً، أو امرأة ولود يعقد زهرها ويطرح ثمراً: سنديانة، مشمشة أو هذه الشجرة المسماة أكاسيا. الأكاسيا شجرة حرجية تعقد زهراً ولا تطرح ثمراً، ونوارها يستيقظ آخر شباط وفي آذار، لكنه يشعّ نوراً أصفر وهّاجاً في نيسان وأيار، كأنه انفجار الأصفر الفاقع. ليس لي شجرة مفضلة: حرجية كانت أو مثمرة. قد أحبّ نوار اللوز الهش كأنه ثوب زفاف، أو نوار التفاح والأجاص.. لكنني أحببت شجرة الأكاسيا لثلاثة أسباب: أنها شجرة حرجية وارفة تصنع فروعها والأفنان فيئاً واسعاً، وهي شجرة متقشفة في حاجتها للماء، فأوراقها مطلية بما يحفظ رطوبتها، وأزهارها (عيونها) الصفراء الفاقعة تجفّ وتذبل محتفظة بهيئتها كأنها حيّة.. وأخيراً، فهي ناءت بأغصانها والأفنان تحت وطأة ثلجة كانون، حتى انبطحت أرضاً وصنعت ما يشبه "الأيكة" أي الشجر الملتف الكثيف. لست خبيراً بنطاقات عيش شجرة الأكاسيا، خلاف نطاق عيش شجرة الزيتون مثلاً، أو السنديان، أو هذه "الأرزة" التي تعشق الطقس الميّال للبرودة، ومن ثمّ لا أعرف إن كانت الأكاسيا أصيلة في النطاق الشجري المتوسطي، أو دخيلة عليه وداجنة فيه. تاجها، جملتها الورقية على أغصانها وأفنانها يشبه تسريحة شعر الإناث الفوضويات، أو شعر الأنثى الإفريقية، أو أسطورة الأنثى "ميدوزا" الشريرة الإغريقية، التي شعرها وكر للأفاعي. بالفعل، ذكرتني "الأكاسيا"، وبخاصة أزرارها الزهرية فاقعة الاصفرار بعيون الأفعى وعيون هذا الحيوان الزاحف صفراء فاقعة، كما هي مقلة عيون الحيوانات الكاسرة كالنمر المفترس. أمرّ في "شارع الأيام" ـ رام الله مرتين يومياً: صباحاً وعصراً، وفي هذا الشارع غرست البلدية ثلاث إناث (قصدي شجرات) معظمها صفصاف أو كينيا، وأربع شجرات لا غير من الأكاسيا. الذي حصل أن معظم شجرات الصفصاف ماتت، أو هي عليلة، ربما لأن التربة لا تناسبها، لكن الشجرات الأربع من "الأكاسيا" المحبة، كما يبدو، لشظف العيش عاشت جميعها، و"نفشت" تاج شعرها. تحت وطأة سجادة سميكة من ثلجة كانون الأول ناءت شجرات الأكاسيا.. حتى انبطحت أرضاً، وصنعت فيئاً واسعاً، بعضه لا يقل قطر محيطه عن عشرة أمتار. لم تتحطم أضلاعها المرنة، لكن ناءت غضاريف عظمها، والشيء المدهش أن نوارتها الصفراء عقدت، وستتفجر بعد أسابيع زهراً أصفر. .. أو أن عمال البلدية سوف يضبطون نموها الشيطاني بالتقليم والتسهيل الجائر... وإلاّ سدّت جانباً من الشارع بما يعيق سواق السيارات عن الرؤية الواضحة. ثلجة كانون حملت مقصاً أو فأساً أو بلطة، وقامت بتشهيل (تقليم) عشوائي خفيف أو جائر، وعمال البلدية قاموا، كما في كل شباط، بعد الثلجة بقص فروع الأشجار الميتة التي انكسرت تحت وطأة الثلج، أو حتى نشروا نصف جذعها وأطاحوا بجملتها الورقية، على أمل أن تنمو جملتها الجذرية وتشب أغصاناً من جديد. صحيح أن شجرة الزيتون هي بعض ما كان يعني الشاعر فهي ولو كانت ليست عالية، تزهر باستحياء ثم يعقد زهرها ثمراً.. لكن ربما على تلال هذه الضفة التي يحمي هذا "النتش" تربتها من الانجراف بماء المطر، يمكن زراعة أشجار حرجية مثمرة (خروب نافع) أو غير مثمرة ثمراً نافعاً (بلوط مثلاً) أو مزهرة بلا ثمر مثل الأكاسيا، وجميعها تصنع ظلاً وافراً، وتجذب زهورها الصفراء الكثيفة إليها نحلاً يصنع شهداً ربما يضارع مذاق شهد تصنعه أسراب النحل من زهور أشجار الكينيا. الأكاسيا ذات عيون شرسة وشهوانية، وإغواء أكثر من عيون النساء اللواتي في طرفها حور. لم أرَ عيون المها.. ورأيت عيون الأكاسيا.

arabstoday

GMT 07:06 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفاء والاستحياء

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 06:54 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

النموذج السعودي: ثقافة التحول والمواطنة

GMT 06:52 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أوروبا تواجه قرارات طاقة صعبة في نهاية عام 2024

GMT 06:49 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

هل هي حرب بلا نهاية؟

GMT 06:48 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب إسرائيل الجديدة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عـيـون الأكـاسـيــا عـيـون الأكـاسـيــا



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 21:12 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
 العرب اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 02:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab