المألوف في انكساره على القاعدة

المألوف في انكساره على القاعدة

المألوف في انكساره على القاعدة

 العرب اليوم -

المألوف في انكساره على القاعدة

حسن البطل

وفي نهاية - النهاية، يذهب هذا الكوكب الى احدى نهايتيه الجحيميتين: فناء أبيض بارد؛ او فناء أحمر ناري. وهذه الأرض التي ولدت في عمارة من جحيم ناري، تدور في منزلة بين منزلتين لا يطيقهما ابن آدم: عطارد الناري؛ ونبتون الصقيعي. .. ونحن نذهب في الزمن الى زمنين: زمن بدأته النعجة "دولّي" في بريطانيا بمحاكاة الانسان للتخليق؛ وزمن بدأه الكلب الآلي الياباني "آيبو" (الشريك). نطرق بوابة الخلود المراوغ مع ثغاء النعجة "دولي"؛ ونطرق مع نباح الكلب "آيبو" حاجز السر بين خلية حية، وبين فلز جامد.. نبرمجه ليكون الكلب الآلي مسلياً ومفيداً، دون ان يزعجنا ماء احليله، أو برازه على "الموكيت" النظيف.. أو حديقة "الغولف". بين نهايتين: بيضاء حتى الموت؛ او حمراء حتى الموت، تكسر الفصول الاربعة رتابة المألوف في المنطقة فوق المدارية (مثل منطقتنا) او يكسره فصلان في المنطقة شبه القطبية، او يحجل فصل واحد في المنطقة الاستوائية من على قدم يسرى (تسمى الفصل الجاف) الى قدم يمنى (تسمى الفصل الرطب). الثلج الأبيض كأنه كسر مضاعف في رتابة المألوف في مشهد بلادنا، وفي غير بلادنا جحيم أبيض، والمطر ذاته كسر بسيط في رتابة المألوف في مشهد بلادنا.. وفي غير بلادنا طوفان أو يباس. قطرات المطر متشابهة الى الغاية، كأن السماء تحلب الغيم في مختبراتها، مثلما صرنا نستنسخ "النعجة" و"القرد" و"البقرة"، وأما بلورات الثلج؟ ماذا لو ارتدت كل بلورة ثلج ثوباً يختلف عن لون ثوب البلورة الاخرى؟ تحت مجهر بسيط تنفضح التشكيلات الهندسية اللانهائية لبلورة الثلج. وتحت العين (الانسانية) المجردة، تبدو جميعها بيضاء. .. وتحت ضغط الزمن والجاذبية، وانهيار التشكيلات الهندسية على ذاتها، يتشكل جليد يشبه الجليد في ثلاجتك، ولكن اذا حاولت تهشيمه ببلطة من فولاذ، فسوف يتثلم حد البلطة. هذه هي القبعة الجمودية، ميزان ماء الارض كما الغابة ميزان هواء الارض. للأرض قبعتان جموديتان، ولها "زنار" من الصحارى الدافئة في وسطها. والانسان يخشى ان تخلع الارض قبعتيها الجموديتين شيئا فشيئا؛ او يخشى انزياحهما الى الزنار الدافئ، لأنه يخشى فجيعة البحر على وليمة البر، او يخشى ثأر البر من ديكتاتورية البحر. تكيف الانسان مع نمط معين من "ديمقراطية المناخ": ان تثلج بحساب، وتمطر بحساب ماء مالحاً أجاجاً بحساب، وماء عذباً سلسبيلاً بحساب .. ولكنه ينفث الدخان في الهواء بلا حساب، او يتكاثر بلا حساب (من 300 مليون بني آدم في عهد السيد المسيح، الى 6 مليارات بني آدم في عهد سيد البيت الابيض). دوّن الانسان من كتب السماء: سبع سنوات عجاف، تليها سبع سنوات سمان. ودونت السماء في صفحات الأرض أحقاباً جيولوجية تقول: كانت الأرض كرة من نار، ثم كرة من ماء.. ثم كرة من نار وماء، ثم كرة من ماء سائل او ماء جامد: برّ يابس وبرّ أقل يباساً. بدأت خليقة الانسان. .. ودونت هذه الشجرة الخضراء حقيقة اكثر بساطة وعمقاً: حزاماً اخضر من غابات الامازون الى غابات افريقيا، فغابات جنوب آسيا. اذا مرّ فصل جاف نسبياً على غابات الامازون، حظيت غابات افريقيا بفصل رطب، او غابات جنوب آسيا. والعكس صحيح. ودوّن هواء هذه الارض حقيقة أكثر تعقيدا: اذا تقدمت القبعة الجمودية الشمالية انحسرت القبعة الجمودية الجنوبية .. والعكس صحيح. هكذا، بدأت خطوات الحضارة. معظم البر شمال خط الاستواء، ومعظم البحر جنوب خط الاستواء. ومعظم البشر يعيشون حيث معظم البرّ. لذلك، فإن الناس تنسى زمناً سحيقا كانت فيه القبعتان الجموديتان في وسط افريقيا، ووسط المحيط الهادي، بينما كانت القبعة الجمودية الجنوبية جزيرة خضراء ودافئة، لأن القارات تزحف زحفاً وئيداً. تتطلّق من بعضها، او تتزوج من بعضها. .. وسوف ننسى ان استنساخ الخلية الحية لا يقود الى خلود النوع، واستنساخ الكلب الآلي لا يؤدي الى حوار فكري بين الانسان الحي والانسان الآلي. .. وسوف ننسى ان الشمس خلّفت صبية جميلة تدعى الارض، وخَلَقت لها زوجاً يدعى الانسان. انها تمطر وتثلج كما كانت. وسوف تظل تمطر وتثلج، لأن انكسار المألوف لا يعني انكسار القاعدة. يدور المرصد "هابل" حول الارض ويرسل الى أهل الارض بقصة البداية والنهاية: موت ناري جحيمي، او موت ابيض صقيعي.. غير ان الارض هي استثناء المألوف في هذا الكون، والفصول انكسار المألوف .. والمطر والثلج؛ الماء الأجاج والماء الحلو .. وهناك عطش في صحراء ما. وهلاك من الصقيع في مكان ما.

arabstoday

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 06:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المالك والمستأجر.. بدائل متنوعة للحل

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 06:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 06:31 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 06:29 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 06:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

GMT 06:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المألوف في انكساره على القاعدة المألوف في انكساره على القاعدة



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 العرب اليوم - شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أشرف حكيمي يمدد عقده مع باريس سان جيرمان حتي عام 2029

GMT 18:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 09:37 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ثوران بركاني جديد في أيسلندا يهدد منتجع بلو لاجون الشهير

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 11:06 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مستشفى كمال عدوان بدون أكسجين أو ماء إثر قصف إسرائيلي مدمر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab