فهد العبيدي  هكذا حارب هكذا انهار

فهد العبيدي .. هكذا حارب هكذا انهار

فهد العبيدي .. هكذا حارب هكذا انهار

 العرب اليوم -

فهد العبيدي  هكذا حارب هكذا انهار

حسن البطل

أعرف "فهد" كيف قاتل. كيف مات.. وكيف تزوج لكن قناطر وأنفاق وفضاءات سمر بين هذه الأركان قد تختصر (أو لا تختصر) إحدى أكثر الشخصيات الحميمة غنى وتعقيداً. إنه البدوي (من حيث الشهامة) والشيوعي جلداً وعظماً (وحكماً بالقلب والعقل).
هكذا تزوج فهد: بعد جفوة باعدتنا عن سهرات السمر، لأنني سبقته إلى "زيجة حرب". صادفته وزوجتي على باب سينما كليمنصو ببيروت الغربية. قال: هذه زوجتي. قالت زوجته: هل تعرف فهد؟ .. إذاً تعرفني!. ستقولون هذا برتوكول رفاقي في زمن الحرب يليق بمذكرات نيرودا.. ثم ماذا؟ حملنا عروسه وركضنا بها خمسين متراً. ذراعاها على منكبينا ويدانا على خصرها النحيل.
هكذا قاتل فهد: هو الذي يكتب مقالته ببطء (ويطبخ المقلوبة ببطء) يطلق الرصاص بغزارة (ذات ليلة أطلقنا في الهواء من بندقيته الكلاشن صليتين كاملتين لمخزنين كاملين).
لماذا في الهواء؟ لأن المقاتل الشيوعي فيه غضب غضبة بدوية - مضرية. كنا في جلسة سمر ومقلوبة وسهر مديد مع بعض رفاقه في "فصيل الأنصار"، عندما لعلع الرصاص الغزير في سماء بيروت الغربية.. بل تحت نافذة البيت، قرب مستديرة مسجد جمال عبد الناصر (مستديرة أبو شاكر، نسبة لكنية إبراهيم قليلات، قائد تنظيم "المرابطون" الناصري السني).
تواً، قال فهد للرفاق: لعل الجيش هجم .. تمنطق جعبته وحمل بندقيته، وذهب إلى المعركة.. ثم عاد حانقاً مغضباً. كان كل هذا الرصاص في الهواء احتفالاً ببدء السنة الهجرية. نظر إليَّ نظرة كسيفة، وإلى بندقية ساخنة السبطانة نظرة اعتذار. قال: لقد أهنّا كرامة السلاح. صليتان رشاً لمخزنين كاملين تستوجبان تنظيف السلاح.. وباشر الفك والتنظيف!
هكذا مات فهد: مات احتضاراً بطيئاً في مضارب قبيلته - فخده - عشيرته الأردنية.. بعد سنوات من خروج بيروت وطرابلس. أحد من رفاق الفصيل ومن زملاء العمل لم يحضر وفاته. قال وصيته لكبار العائلة: البنتان تبقيان مع أمهما اللبنانية الشيوعية. أولادي لأمهم وليسوا لكم.
إضافة إلى زواج فهد: حاك لي مع رفاقه في الفصيل مقلباً لن أنساه. نهاني عن الزواج. قال: الوقت وقت موت أو وقت جندية مطلقة في الإعلام، أما أنا فوضعت خاتم الخطيبة في كأسي وارتشفت وقلت: ادفعوا الموت بالحب. ثم، أين الخاتم يا رفاق؟ صار في جوفك.. قالوا.. لكنه، بعد أن حملنا عروسه وركضنا، قبلني وناولني الخاتم.
إضافة إلى فهد المقاتل: شيوعيون أردنيون، وعراقيون؛ سوريون وفلسطينيون تمركزوا في قصر مهجور في منطقة مصيف بحمدون، لصد التدخل السوري العام ١٩٧٦، ثم تمركزوا جوار بلدة برمّانا أو حمّانا (لا أذكر!). صارت شقة فهد في بيروت قاعدة لوجستية وقت الإجازات.
ماذا في روايات الحب والحرب؟ سأضيف قصة: أحد الرفاق وكان عراقياً، تهيأ للقاء حبيبته صباحاً بحمام ساخن ليلي. فجأة ورد أمر هاتفي: سقط رفيق وعلى الرفيق هذا أن يأخذ مكانه في الغداة.. وفي غداة الغداة بكى رفيق رفيقه العاشق بكاء كعويل النساء. فهد البدوي زجره.. ثم وضع المسدس في صدغه: اسكت.. وتماسك يا رفيق.. يا رجل!
هكذا انهار فهد: لم يجد جواباً شافياً لدى قيادة الحزب. كان سؤاله: لماذا قررتم انخراط الرفاق في الحرب الأهلية كفصيل جديد في المنظمة.. ثم لماذا قررتم حل الفصيل؟ لسنا من جعلها حرب طوائف.. وهل ذهب رفاقي سدى؟
عاد هائجاً الى بيته لينهي حياته ببندقيته، لكن زوجته كانت قالت لي: "تعرف فهد؟.. إذن، تعرفني" كانت خبأت المخزن (ربما لأن طفلته الأولى كثيرة اللهو). تواً، ذهب الى المطبخ و "بعط" بطنه بضربة سكين. في المستشفى حيث تعافى قال حكمته الثانية: "لقد أهنت الموت".. وكأنه قال: "الحزب أهان موت الرفاق"! هكذا اختلفنا: بعد اتفاق خروج الفدائيين من بيروت، قال فهد: خسرنا فرصة أن تكون بطولة بيروت كبطولة ستالينغراد! قلت: لكنهم سيدمرون مدينة ليست لنا؟ قال: ليست لديهم ذخيرة كافية لتسوية المدينة بالأرض.
مع هذه النبرة صدقت اعتذاره السابق، لأنه في قبرص احتضنني وقبلني وبكى.. وقال: كدت أقتلك ببيروت فعلاً. كيف؟ هو الشيوعي كان مع الثورة الإسلامية الإيرانية، وأنا كنت ضدها. احتد النقاش.. فمدّ يده إلى مسدسه الذي كان قد سقط بفعل جلسة استرخاء على الأريكة.. الرفاق هبوا وأمسكوا به، وأبعدوا المسدس عن متناوله!
اختلفنا على "الخروج" وعلى الدخول، وبينهما كانت صداقة غريبة في زمن عجيب. كان بدوياً شهماً وشيوعياً صلباً.. مع حزب أو بدونه.

 

 

 

 

arabstoday

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 06:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المالك والمستأجر.. بدائل متنوعة للحل

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 06:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 06:31 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 06:29 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 06:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

GMT 06:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فهد العبيدي  هكذا حارب هكذا انهار فهد العبيدي  هكذا حارب هكذا انهار



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أشرف حكيمي يمدد عقده مع باريس سان جيرمان حتي عام 2029

GMT 18:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 09:37 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ثوران بركاني جديد في أيسلندا يهدد منتجع بلو لاجون الشهير

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 11:06 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مستشفى كمال عدوان بدون أكسجين أو ماء إثر قصف إسرائيلي مدمر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab