كتاب المراثي كان يعقوب حبيب المزاج

كتاب المراثي كان يعقوب حبيب المزاج

كتاب المراثي كان يعقوب حبيب المزاج

 العرب اليوم -

كتاب المراثي كان يعقوب حبيب المزاج

حسن البطل

بغياب يعقوب إسماعيل، قد تسمحون لي بقلب سلّم العلاقة الإنسانية، ذي الدرجات الأربع. هل تعذروني.. يا أنسباء يعقوب، رفاق دربه، زملاءه، إن قلبت سلّم العلاقة الإنسانية، وجعلت الحالة الرابعة من الفقدان حالة أولى.
تخطيتُ سن الستين.. صرتُ مسنّاً في العمر (لا طاعناً به بل مطعوناً!)، وبذا صرت مخضرماً في أشكال فقدان العلاقة. قريب النسب مات وسيموت (هل أنسى موت أبي وأنا أطل على أوّل عمر الحلم)؛ وزميل العمل مات وسيموت؛ ورفيق الدرب مات وسيموت.. لكن، في موت يعقوب إسماعيل سأشرب من كأس الفقدان نكهة الدرجة الرابعة من العلاقة، كان يعقوب حبيب المزاج.
علاقة المزاج المترعة تبدأ، عادة، بعد غياب الشمس. ساعات الليل هي لصعود الحالة الرابعة من العلاقة (أو نزولها) إلى الحالة الأولى (أو صعودها). يتوزع أفرقاء الأشكال الثلاثة للعلاقة. لزميل العمل توقيت عمله. لقريب النسب واجبه إزاء الأنسباء. لرفيق الدرب أن يستكمل درب الذين غابوا..
.. وأمّا حبيب المزاج؟ فيمكنكم أن تقرؤوا «لاعب النرد» مثلاً قراءة أخرى بعد غياب اللاعب في عباءة البياض.. أو يمكنني أن أخبركم ماذا أفعل بعد أن أنفك عن علاقة الزمالة مع محرّري «الأيام» وعلاقة الواجب مع هذا العمود!
سيكون يعقوب في انتظاري عادة، وسأكون في انتظاره نادراً. له ركنه الأبدي في مقهى رام الله، وعلبة سجائره المفضّلة، و»بليفونه» على الطاولة الوحيدة المستديرة من طاولات المقهى.. وفنجان قهوة كبير وطافح من النسكافيه يمجّ منها رشفات على مهل المهل.
لا أخجل قط من انكساراتي أمامه في لعبة النّرد. انكسارات غير معدودة. أفتخر بانتصاراتي المعدودة (بالكاد في عدد أصابع اليد الواحدة خلال ثلاث سنوات من ليالي المزاج).
ليس لعلاقة المزاج ركود الماء، بل شغب في حب المزاج. هكذا أشاكسه.. أناديه إسماعيل يعقوب يقول: بل يعقوب إسماعيل. أزيدها حبّة: يعقوب الجزويتي. ساعتها يضحك. لستُ متأكداً من اسم تلك الطائفة التي أتباعها يحلقون شعور قمّة رؤوسهم، راسمين دائرة بيضاوية حليقة، مع أرخبيل ضيّق من الشعر يعلو جباههم، وشعر غزير يغطّي سائر رؤوسهم.. هل هم الجزويت؟
لكن يعقوب إسماعيل ينتمي إلى طائفة المسرح. الحياة مسرح لن تجد فيه جواباً شافياً على السؤال الأبدي: هل الموت لغز واضح للحياة.. أم الحياة وضوح عابر في لغز الموت. السرطان لاعب نرد شرّير!
لم أكن ندّاً له في لعبة النرد. كان ندّه الأول مربّي الجيل المخضرم جميل شحادة (أبو ناصر)، وندّه الثاني أبو يعقوب (ما من علاقة نسب ولا زمالة ولا رفاقية درب.. بل علاقة مزاج).
منذ شهرين لم تعد تلك الطاولة المستديرة في مقهى رام الله تشهد صولات في لعبة النرد، بين المصنفين ويتحلّق من حولهم غير المصنفين من أمثالي. أبو ناصر يأبى اللعب مع غير المصنفين - حسب تعبيره. عدنا إلى الطاولات المربعة. توقف أبو ناصر عن لعبة النرد، لأنه مع غياب يعقوب في مرضه ومستشفاه في رام الله ثم القدس غاب (اللّعيبة).. أو فقد أبو ناصر ندّاً مصنفاً.
لي عمودي، ويحاسبني يعقوب قليلاً، ولأبي ناصر مشاغل اتحاد المعلمين.. ونحاسبه كثيراً، وليعقوب رابطة المسرحيين والمحاسبة سجال بين الصحافيين والمثقفين ورئيس رابطة المسرحيين الفلسطينيين.
هو، كمخرج مسرحي، أدخل إلى المسرح الفلسطيني، منذ عشرين عاماً، نظرية هندسة الفراغ، أو ما أسماه «نظرية الممر». كيف يملأ ممثل فرد هندسة فراغ الخشبة؟ كيف يجتاز بجدارة (نظرية الممر)؟ كان يعقوب مجدداً في المسرح الفلسطيني، مثيراً لزوبعة سجالات، رابطاً عربات العبث بقاطرة الفن. سكّة جديدة لفن مسرحي جديد.
تفهمون، إذاً، لماذا كان يعقوب حبيب المزاج، ولماذا قلبت سلّم درجات العلاقة الأربع ليتقدم المزاج على قرابة النسب، وزمالة العمل، ورفاقية الدرب.
.. وفي آخر الليل نعود رفاق درب، غالباً هو وأنا، وأحياناً مع نسيبه محمد عدوي. يربّت على كتفي مرتين ويغادر إلى سهرة سمر ونقاش مع زملائه المسرحيين.
الموت ينتخبنا فرادى، ونحن نصوّت وننتحب. واحد آخر من حلقات النسب والزمالة والرفاقية والمزاج يمضي. الموت ينتخب بقرعة عشوائية؟
باسم سمية قال لي في المقبرة: كلا.. بل يقطف الموت التفاحات اليانعة! مرة أخرى.. حلقة حول حفرة!
وداعاً يعقوب، حبيب المزاج.

 

arabstoday

GMT 04:52 2025 الأحد ,27 إبريل / نيسان

القوة الناعمة: سناء البيسي!

GMT 04:48 2025 الأحد ,27 إبريل / نيسان

قفزات عسكرية ومدنية

GMT 04:45 2025 الأحد ,27 إبريل / نيسان

عن الأزهر ود.الهلالى!

GMT 04:30 2025 الأحد ,27 إبريل / نيسان

خير الدين حسيب

GMT 04:21 2025 الأحد ,27 إبريل / نيسان

صوت من الزمن الجميل

GMT 19:26 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

مواعيد إغلاق المقاهى.. بلا تطبيق

GMT 19:24 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

المطلوب

GMT 19:24 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

البابا فرنسيس والسلام مع الإسلام

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كتاب المراثي كان يعقوب حبيب المزاج كتاب المراثي كان يعقوب حبيب المزاج



ميريام فارس تتألق بإطلالات ربيعية مبهجة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 03:01 2025 الإثنين ,28 إبريل / نيسان

استشهاد 70 شخصًا فى قطاع غزة خلال 24 ساعة

GMT 00:58 2025 الإثنين ,28 إبريل / نيسان

أوغندا تعلن السيطرة على تفشي وباء إيبولا

GMT 01:04 2025 الإثنين ,28 إبريل / نيسان

قصف مبنى في ضاحية بيروت عقب تحذير إسرائيلي

GMT 02:57 2025 الإثنين ,28 إبريل / نيسان

الطيران الأميركي يستهدف السجن الاحتياطي

GMT 20:28 2025 الأحد ,27 إبريل / نيسان

أخطاء شائعة في تنظيف المرايا تُفسد بريقها
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab