هي «العاصمة» أو هي الملتقى

هي «العاصمة» أو هي الملتقى!

هي «العاصمة» أو هي الملتقى!

 العرب اليوم -

هي «العاصمة» أو هي الملتقى

حسن البطل

أحياناً، يكتب زميلي زياد خداش، عن بهجة مصادفات لقاءاته بتلاميذه بعد أن كبروا وشبوا. هو المعلم دَعَس في الخمسين من عمره. كم صرف منها معلماً؟ ربما ربع قرن ويزيد. ما بالكم إن كتبتُ عن مصادفة لقاء ثان مع معلمي، بعد أكثر من نصف قرن.
كان أنيس الخطيب معلمي في الصف الثالث - ابتدائي - مدرسة دوما للبنين. كنتُ في التاسعة، وكان معلمي يكبرني بسنوات لا أعرف، في حينه، تقديرها. المعلم كبير دائماً والتلميذ صغير دائماً.
دوما، التي تسمعون أخبارها كانت صغيرة ولكنها كانت أكبر قرى الغوطتين معاً، الشرقية حيث دوما، والغربية، وفيها كانت مدرستان للبنين، ثانيهما «مدرسة غازي الأول»، ومدرسة ثانوية واحدة للذكور، ولاحقاً المستشفى الحكومي الوحيد في الغوطة الشرقية كلها.
كنتُ وزميلي الفلسطيني في الصف، فوزي، أشطر التلاميذ. السبب؟ أننا ذهبنا إلى المدرسة الحكومية تلاميذ في الصف الأول لمن بلغ السابعة من عمره، لكن كنّا في «مدرسة حيفا - الأونروا» التي تقبل التلاميذ في سن الخامسة، قد ترفعنا الى الصف الثالث، ولا تعترف المدرسة الحكومية، آنذاك، إلاّ بنفسها.
على كثرة تعدد المعلمين في مدارس الحكومة السورية، فقد كان المعلم أنيس الخطيب الفلسطيني الوحيد في المرحلة الابتدائية، وبعد الوحدة مع مصر، مرّ علينا معلمون مصريون في المدرسة الثانوية .. وغابوا عن المدرسة السورية بعد الانفصال عام ١٩٦١.
من أوائل الخمسينيات الى أوائل الثمانينيات، لأكتشف أن المعلم القديم والتلميذ القديم، صارا في «مدرسة فتح». هو صار ممثلاً للمنظمة في دولة خليجية، وأنا صرت صحافياً أساسياً في «فلسطين الثورة».
كيف عرفته وكيف عرفني بعد ثلاثة عقود ونيّف؟ هناك بعض الناس لا تتغير فيهم سمات وجوههم، وإن حفر الزمان إزميله فيها .. وهكذا جلسة بين كادرين فتحاويين في مؤتمر الاتحاد العام للصحافيين والكتّاب الفلسطينيين - صنعاء ١٩٨٣ بعد الانشقاق الثقافي!
ثم، كيف عرفته وكيف عرفني بعد ثلاثة عقود أخرى ونيّف، في لقاء مصادفة بمطعم أبو عماد للفول والحمص والفلافل في رام الله - التحتا؟ هناك بعض الناس لا تتغير فيهم سمات وجوههم .. وإن رسم الزمان تضاريسه فيها!
قبل ستين سنة ونيّف، عندما كنتُ التلميذ وكان أنيس هو المعلم، كنتُ فلسطينيا - سوريا من حيث هوية اللاجئ الفلسطيني الشخصية، وكان معلمي مثلي .. والآن، صرت مواطناً فلسطينياً مقيماً بهوية فلسطينية ذات رقم وطني (وحاسوب إسرائيلي؟)، وهو صار زائراً فلسطينياً للبلاد، يحمل جواز سفر فلسطينياً.
من تلميذ الصف الثالث الابتدائي الى مواطن فلسطيني، حملتُ جوازات لعدة دول، ولعله مثلي حمل جوازات لعدة دول.
كان المعلم في لقاء صنعاء فخوراً بتلميذه السابق، وقد صار رجلاً ومحرراً في الصحيفة المركزية لمنظمة التحرير، وفي لقاء رام الله صار فخوراً أكثر. قال: قلتُ لك أنك ولد فلسطيني شاطر، وها أنت صحافي شاطر في البلاد!
قلت له: كنتَ معلمي تتحدث إلى تلاميذ الصف عن فلسطين، وها نحن نلتقي في فلسطين، بعد هذا العمر الطويل.
يقولون عن رام الله ما يقولون. ماذا أقول؟ هي عاصمة الفلسطينيين وليست عاصمة البلاد. كانت بيروت عاصمة الفلسطينيين أيضاً، وفيها كانت تتم لقاءات مصادفة بين فلسطينيين في الشتات العربي والعالمي.
لاحقاً، صارت تونس نوعاً من عاصمة للمنظمة والفلسطينيين وفيها كانوا يلتقون مصادفة، بعد اغتراب سنوات طويلة. قد تنسى الأسماء أو تنسى الوجوه!
ماذا قال درويش بعد الخروج من بيروت؟ «كم مرّة تتفتح الزهرة / كم مرّة ترحل الثورة» .. وحيث كانت الثورة والمنظمة كانت هناك «عاصمة» للمناضلين والكوادر والشتات الفلسطيني. قل ملتقى!
التقيت في رام الله مع أختي الكبيرة، وجاءت بتصريح زيارة لمؤتمر اتحاد المرأة، وكنت ألتقيها في دوما - سورية، قبل أن تمنعني سلطات الأمن من دخول سورية «الى الأبد». هذا ما جناه قلمي عليّ!
ماتت أمي وإحدى أخواتي ومات أخواي الكبيران في سورية، دون أن أحظى بزيارة الى قبورهم. لكن ماذا؟ جاء ابن عمي اللزَم الى رام الله سائحاً، بصفته مواطناً روسياً متزوجاً من روسية، وبصفته دكتوراً في الفيزياء، وأستاذاً مدرساً في معهد الطاقة - موسكو. هو عرفني بعد ٣٠ سنة، وأنا بالكاد عرفته!
صحيح، ان هذا هو «الجزء المتاح» لنا من أرض البلاد، لكنه جزء صار ملتقى و«عاصمة» الفلسطينيين في البلاد والشتات.
د. محمد محمود البطل تغيرت ملامحه بعد هذه السنوات. وأنيس الخطيب لم تتغير ملامحه. يأتون إلى «العاصمة» بجوازات مختلفة، لكن يبقى هذا الانتماء إلى المكان الفلسطيني.
هذا سلامي لك «فتح» في يوبيلك الخمسين.

arabstoday

GMT 09:42 2024 الأحد ,29 أيلول / سبتمبر

أبو ملحم والسيدة قرينته

GMT 09:34 2024 الأحد ,29 أيلول / سبتمبر

لبنان ضحية منطق إيران... ولا منطق الحزب

GMT 09:25 2024 الأحد ,29 أيلول / سبتمبر

هل غاب نصرالله بكل هذه البساطة ؟!

GMT 09:24 2024 الأحد ,29 أيلول / سبتمبر

من يخطف المجتمع ويوجه الرأي العام؟!

GMT 09:23 2024 الأحد ,29 أيلول / سبتمبر

عقدة معالي الشعب الأردني!

GMT 09:20 2024 الأحد ,29 أيلول / سبتمبر

الغياب الكاشف الكبير

GMT 09:18 2024 الأحد ,29 أيلول / سبتمبر

السعودية قبل مائتي عامٍ

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هي «العاصمة» أو هي الملتقى هي «العاصمة» أو هي الملتقى



نجمات العالم يتألقن بإطلالات جذّابة بأسبوع الموضة في باريس

القاهرة - العرب اليوم

GMT 04:29 2024 السبت ,28 أيلول / سبتمبر

الجامد والسائح... في حكاية الحاج أبي صالح

GMT 08:22 2024 الجمعة ,27 أيلول / سبتمبر

الهجوم على بني أميّة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab