يشير المتفائلون بحل الازمة الخليجية، الى موافقة دول الخليج الثلاث التي تقاطع الدوحة على مشاركة منتخباتها الكروية في دورة بطولة كأس الخليج لكرة القدم التي ستبدأ في قطر يوم الثلاثاء المقبل .
وعقد مباريات دورة كأس الخليج في قطر يعني ان جماهير سعودية واماراتية وبحرينية ستتوجه الى الدوحة لحضور المباريات وتشجيع فرقها الكروية، وهذا يعني الغاء قرار الدول الثلاث الذي يمنع سفر مواطنيها الى قطر ومنع دخول القطريين الى هذه الدول والذي اتخذته ضمن اجراءات قطع العلاقات مع قطر وحصارها في شهر حزيران / يونيو 2017.
وقد يعني هذا تراجعا في موقف دول مقاطعة قطر الثلاث بعد ان لمست ان مقاطعتها هذه لم تؤد الى حصار قطر بل ادت الى وضع سدود بين شعب خليجي (شعب قطر) وشعوبها الامر الذي ادى الى حدوث مشاعر “تباغض ” شعبي وادى الى سقوط شعار “خليجنا واحد وشعبنا واحد ” الذي رفعه مجلس التعاون الخليجي منذ انشائه عام 1981.
ووفق المعلومات المتوفرة لي من مصادر خليجية مسؤولة فان امر مشاركة الدول الخليجية الثلاث في دورة كأس الخليج لكرة القدم في قطر جاء نتيجة اتصالات اجرتها الكويت – وهي الدولة المعنية بالوساطة في الازمة الخليجية – مع الرياض التي ستستضيف القمة الخليجية التاسعة والثلاثين في الاسبوع الثاني من اشهر كانون الاول / ديسمبر المقبل ، وكانت الكويت تحث المملكة على ضرورة ان تعقد القمة الخليجية وسط اجواء هادئة وبعيدة عن التوتر الذي يسود العلاقات بين قطر والدول الخليجية الثلاث الاخرى ، وانه اذا استمرت السعودية والامارات والبحرين بمقاطعة دورة كاس الخليج لكرة القدم بسبب عقدها في قطر فان قطر سترد على ذلك بمقاطعة قمة الرياض الخليجية المقبلة ، وكانت هذه الدول الثلاث قد اعلنت قبل عامين عدم مشاركتها في الدورة السابقة لبطولة الخليج لكرة القدم بسبب عقدها في قطر الامر الذي ادى الى استضافة الكويت لهذه الدورة حرصا على مشاركة كل دول مجلس التعاون فيها بالاضافة الى العراق واليمن .
ووافقت قطر على ذلك مقابل ان تعقد الدورة الحالية عندها ، ولاشك ان مقاطعة الدول الثلاث للبطولة سيعني الكثير خليجيا واولها اعلان موت منظومة مجلس التعاون وهو شبه مجمد حاليا ، وثانيا تعميق الشرخ بين الشعوب الخليجية والذي سببته قرارات الدول الثلاث بمقاطعة قطر الامر الذي اثار مشاعر الغيظ الممزوج بالكراهية عند القطريين والذي زاد من تلك المشاعرالحملات الاعلامية والذباب الالكتروني في مواقع التواصل الاجتماعي وتغريدات بعض المسؤولين بمن فيهم وزراء وغير المسؤولين عملت على اثارة مشاعر الكره بين المواطين الخليجيين رغم صلات الدم والقرابة والمصاهرة .
وتجاوبا مع المساعي الخيرة للكويت واميرها وافقت الرياض وبالتالي ابو ظبي والمنامة على المشاركة في بطولة الخليج الكروية بقطر ووافقت الدوحة على وقف الحملات الاعلامية ضد الدول الثلاث والعكس ايضا ، ولوحظ انه منذ اقل من اسبوعين توقف التراشق الاعلامي بين الطرفين ، ولكن يلاحظ ايضا ان هذا التراشق لم يتوقف تماما من الجانب القطري على الاقل – الامر الذي يؤكد معلومات عن انه في الدوحة موقفين بشأن التهدئة مع دول “الحصار” اولهما موقف متشدد يقوده الامير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وبتحريض من الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني رئيس الوزراء ووزير الخارجية في عهد الامير السابق ، ويرى الموقف المتشدد هذا انه يجب وقف حصار الدول الخليجية الثلاث لقطر قبل اي تصالح معها وقد عبر عن هذا الموقف الشيخ حمد بن جاسم بتغريدة له يوم الجمعة الماضي قال فيها:
“ما يتم تداوله هذه الأيام عن الصلح المنتظر يحتاج الى تقييم مدى الضرر من جميع الأطراف وإن يكون هذا الحل للازمة والحصار الذي فرض علينا والذي اصاب المنطقة اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً”.
وتابع قائلا: “وان يكون عبرة بحيث ان لا تتكرر مثل هذه السياسات التي لم تؤد الى نتيجة الا الخلل لمجلس التعاون الخليجي، انا مع الصلح غير المشروط والذي يحفظ كرامة وسيادة الدول ويجب ان يكون هناك بحث عميق من قبل أعضاء مجلس التعاون الذي جُمّد في هذا الخلاف والمنطقة في اشد الاحتياج لمثل هذا التكتل”.
وأضاف: “علماً ان هذا المجلس في اخر 10 سنوات لم يكن فعال كما يطمح له شعب المجلس. لا اريد ان أخوض في موضوع الثقة المهزوزة بين أعضاء المجلس والتي تحتاج الى سنوات من اعادة بنائها”.
وهذه التغريدة توضح ان التيار المتشدد في الدوحة لا يريد مصالحة دون حلول تضمن “كرامة وسيادة الدول ” وحلول للازمة تضمن وقف الحصار.
وثاني المواقف وهو غير متشدد ويتبناه امير قطر الشيخ تميم بن حمد وبدعم من والدته الشيخة موزة بنت ناصر يرى ان مشاركة الدول الثلاث المحاصرة لقطر في بطولة الخليج الكروية بقطر يجب ان يكون بداية لحوار ينهي الازمة ويرفع الحصار .والسؤال الذي يطرح نفسه هل يقدر امير قطر الشاب ان يخالف سياسة اباه الامير الوالد .
مصادر الرياض ترى انه لا يمكنه ذلك وترى ان من يقود سياسة قطر فعلا على الاقل بملف العلاقات الازمة القطرية هو الامير الوالد الشيخ حمد بن خليفة ويحرضه على التشدد في ذلك المقرب اليه دائما الشيخ حمد بن جاسم ، والمعروف انه على خلاف دائم مع الشيخة موزة زوجة الامير الوالد .
وعند الدول الثلاث المقاطعة لقطر متشددين في ابو ظبي والبحرين ويحرضهم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي – ومصر هي الدولة الرابعة المقاطعة لقطر- فاننا نرى ان التفاؤل الذي بدى بامكانية حل الازمة الخليجية وتحقيق المصالحة بين قطر وشقيقاتها الدول الثلاث امر مبالغ فيه وان مايبدو من هدنة حالية بين طرفي الازمة ماهو في الحقيقة الا “مهادنة” وقتية ستنتهي بعد انتهاء القمة الخليجية التاسعة والثلاثين والدليل ان بعض وسائل الاعلام المحسوبة على قطر وهي غير رسمية لازالت “تناكف” بموضوعاتها واخبارها السعودية ودولة الامارات والجدير بالذكر ان معظم هذه الوسائل الاعلامية يمولها الشيخ حمد بن جاسم شخصيا .
والدليل ايضا ان العاهل السعودي الملك سلمان – بكلمته امام مجلس الشورى السعودي يوم الاربعاء الماضي20 تشرين الثاني / نوفمبر- لم يتطرق بشيء الى موضوع العلاقات مع قطر ، رغم انه تحدث عن جهود تبذلها الرياض لايجاد حل سياسي للحرب اليمنية ، وتحدثه عن علاقات بلاده مع ايران .
والدليل ايضا انه كان من المفروض ان تعقد اجتماعات للمجالس الوزارية لمجلس التعاون الخليجي – كما هي العادة – لاعداد اوراق العمل الدفاعية والامنية والاقتصادية وغيرها ،التي سيرفعها اجتماع تحضيري لوزراء الخارجية للقادة الخليجيين في قمتهم المتوقع عقدها يوم 10 او 11 من الشهر المقبل ، ولكن حتى الان لم يعقد اي اجتماع مشترك يجمع اي من وزراء الدول الخليجية الست مثلما هو حاصل منذ عامين ونصف : والاغلب انه سيعقد فقط اجتماع تحضيري لوزراء الخارجية الخليجيين ليلة انعقاد القمة يسبقه اجتماعين لوزراء الداخلية والدفاع وهذا ماتعمل من اجله الكويت التي لولا اميرها الشيخ صباح الاحمد لما عقدت اي قمة خليجية ولانهار مجلس التعاون الخليجي نفسه والذي يعتبر مجمدا الان بسبب هذه الازمة .