زبالة لبنان و «الشراكة» الإقليمية

زبالة لبنان و «الشراكة» الإقليمية

زبالة لبنان و «الشراكة» الإقليمية

 العرب اليوم -

زبالة لبنان و «الشراكة» الإقليمية

وليد شقير

يختلط الحابل بالنابل في لبنان، بين الأزمة السياسية التي عنوانها الرئيس الشغور الرئاسي، والذي يختزل عناوين وعوامل لا تحصى، وبين الحراك الشبابي الاحتجاجي على أزمة النفايات، والذي تدحرج وكبر مثل كرة الثلج ليشكل تعبيراً عن سخط المواطن اللبناني العادي على فساد الطبقة السياسية وعجزها واستئثارها بمقدرات البلاد من طريق المحاصصة الطائفية البغيضة، والتي تبرر آلياتها لفريق من هذه الطبقة شل المؤسسات وتعطيلها.

لكن هذا الاختلاط يبخس الحركة الاحتجاجية الشبابية أحقيتها في الاعتراض والتظاهر ورفع الصوت إزاء التدهور الذي أصاب الأوضاع المعيشية للمواطنين، الذين تراجع مستوى حياتهم اليومية وخدمات الدولة التي يفترض أن تقدمها لهم، وصولاً إلى إغراقهم في النفايات وتحويلهم إلى قبائل تتزاحم على رفض مناطقهم استقبال الزبالة حتى تلك التي ينتجونها في منازلهم ليرموها على مناطق أخرى. هذا التردي أصاب القطاع الاقتصادي الخاص نتيجة تفاقم الأزمة السياسية والقلق من تراجع الأمن بفعل فتح الحدود مع سورية الذي استجلب التنظيمات الإرهابية والنازحين بمئات الآلاف منها ليقاسموا اللبنانيين الخدمات والعمل، بحيث ضاقت بهم سبل العيش وازدادت أسباب البطالة نتيجة تراجع النشاط الاقتصادي، فكبر جيش العاطلين عن العمل. وهي عوامل تجعل انضمام المواطنين العاديين إلى الحركة الاحتجاجية المنبثقة من المجتمع المدني، مفهوماً ومنطقياً، خصوصاً أن بين المنضمين إليها من ينتمون إلى أحزاب وزعامات طائفية هي أصل العلة التي أطلقت الاحتجاج الشبابي. وعلى رغم الاعتقاد بأن النظام الطائفي سيعيد من انضموا للحركة الاحتجاجية، إلى كنف الزعامات التقليدية، فإن التمرد الذي دفع منتمين إلى هذه الزعامات للمشاركة في الاحتجاج، لا بد من أن ينشئ بالتراكم، قلة فاعلة ستنسلخ عن هذا الولاء الأعمى، على رغم قول رئيس البرلمان نبيه بري قبل أيام أنه «لولا الطائفية في لبنان لكان المحتجون سحبونا من منازلنا»، مبرراً للمحتجين تحركهم، ومتوقعاً أن تحول غلبة الانتماء الطائفي دون أن تكتمل ثورة الناس على زعاماتها.

لا يُنقِصُ سعي قوى سياسية وطائفية إلى ركوب «الانتفاضة» القائمة، ومحاولة توظيفها لخدمة أهداف هذا الفريق أو ذاك من أطراف أزمة الرئاسة اللبنانية، من براءتها حيال تلك الأهداف، التي لها أبعاد إقليمية. ولا تقلّل محاولة التوظيف هذه من معقولية وصف البعض ما يجري بأنه «ربيع بيروت» مصغر، أو تشبيه الـ «ميني انتفاضة» بتلك التي شهدها العراق خلال الأسبوعين الماضيين، على رغم الفروقات بين ظروف البلدين وفي الأحجام السياسية والاقتصادية. ولا تكفي الحاجة إلى أن يوحّد الشباب المحتجون قيادتهم وشعاراتهم بحيث تكون واقعية وتجمع أوسع شرائح من المجتمع، أنهم يستندون إلى أسباب جوهرية وموضوعية منزّهة عن مصالح الطبقة السياسية.

إلا أن الخيط الرفيع الذي يحتم التداخل بين تلك الحركة الاحتجاجية المستقلة وبين عوامل الأزمة السياسية التي يلخصها الشغور الرئاسي وما استتبعه من شلل في المؤسسات، يبقى قائماً لأن بإمكان الفرقاء الذين ينوون ركوب الموجة أن يجعلوا من انضمامهم إليها ومصادرة شعاراتها، على رغم أن بعضها كان موجهاً ضدهم، منصّة تحرفها عن أصولها.

فمن اتخذ قرار شلّ السلطة المركزية في لبنان، عبر الحؤول دون انتخاب رئيس للجمهورية، إذا لم يضمن مجيئه من توجه إقليمي معين، وضع في حسابه إمكان استغلال المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والإدارية والتباينات على تفسير الدستور، من أجل الحؤول دون أن يتصدى ما تبقى من هذه السلطة لتلك المشاكل لإغراقه فيها. وإذا كان المخفي وراء الشغور الرئاسي هو الصراع على من يملك القرار في لبنان، في إطار الصراع الإقليمي على النفوذ قبل الاتفاق على النووي وبعده، فإن رفع شعار «الشراكة» في اتخاذ القرار داخل الحكومة اللبنانية، بعد تعطيل اتخاذه ومعالجة أصغر المشاكل وأكبرها، سواء كانت تتعلق بالنفايات، أو بعلاقات لبنان الإقليمية، يصبح حافزاً لركوب التحركات الاحتجاجية في ظل الفوضى التي تدب في البلد على كل المستويات، بعد أن غاب الانتظام العام للحياة السياسية ودور الدولة في تنظيم شؤون المجتمع.

هكذا، يمكن أن تصبح قضية «الزبالة» في الشوارع وما تطلقه من تفاعلات، جزءاً غير مرئي من مرحلة الصراع على تقاسم النفوذ في لبنان، في مرحلة ما بعد الاتفاق على النووي، على الصعيد الإقليمي.

علمتنا مرحلة الوصاية السورية، وأي وصاية في أي بلد، أن من وسائل ترسيخها ترك السلطة فيه تغرق في المشاكل الحياتية والمعيشية والسياسية، حتى إذا احتاجت إلى مساعدة في معالجة تداعياتها، دفعت ثمناً مقابلاً في السياسة... وشعار «الشراكة» هو حصان هذا الثمن، والمساهمة في الفوضى احدى وسائلها.

arabstoday

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 03:56 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 03:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 03:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 03:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 03:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 03:37 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين وإسرائيل في وستمنستر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زبالة لبنان و «الشراكة» الإقليمية زبالة لبنان و «الشراكة» الإقليمية



GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 20:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
 العرب اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab