صنع في لبنان الإقليمي

صنع في لبنان الإقليمي

صنع في لبنان الإقليمي

 العرب اليوم -

صنع في لبنان الإقليمي

بقلم : وليد شقير

المرحلة الجديدة التي دخلها لبنان بعد تبوؤ العماد ميشال عون الرئاسة الأولى وتهيؤ زعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري لتشكيل الحكومة برئاسته، تنقل الصراع الإقليمي حول لبنان إلى دينامية جديدة تتعلق بالتحكم بقرار السلطة السياسية فيه، بعدما استوجب الأمر تغييب هذه السلطة والقرار فيها، عبر الفراغ الرئاسي.

تطلَّبَ انخراط «حزب الله» في صراعات المنطقة إباحة فتح حدود البلد (وتشريعها في كثير من الأحيان) واستخدام المنصة اللبنانية بمقدار من حرية الحركة على الصعد التي تغذي هذا الانخراط، الأمنية والعسكرية والمالية والخدماتية كافة، إضعافَ السلطة المركزية، طالما تتعذر السيطرة عليها بالكامل لتسهيل هذا الاستخدام، فالموزاييك اللبناني والتوازنات الطائفية، وتعدد الانتماءات الإقليمية للجماعات اللبنانية التي يفترض أن تأتلف في قلب السلطة، يصعب أن تجيز هذا المقدار من إقحام البلد الصغير في صراعات المنطقة مثلما هو حاصل في شكل تصاعدي منذ بداية الحرب السورية، وصولاً إلى الأزمة اليمنية، مروراً بالتدخلات في دول الخليج. وإذا تعذر على المشروع الإيراني تجويف السلطة من داخلها وجب اكتساب الأرجحية فيها بشتى الوسائل الضاغطة، السياسية والأمنية والعسكرية.

بهذا المعنى لا يجافي الحقيقة قول بعضهم إن شعار انتخاب عون للرئاسة «صنع في لبنان» غير واقعي، فعون هو مرشح إيران قبل أي شيء، حتى لو رأى مناصروه أنه استعاد حق المسيحيين بمجيء القوي منهم إلى الرئاسة، وهو الحليف الذي تأمل طهران من خلاله بمواصلة الإفادة من المنصة اللبنانية لخدمة مشاريعها الإقليمية. وإذا كان بعض الزعامات المسيحية يصر على أن التسوية الداخلية صنعته، فإنه يتعامى عن المعادلة القائلة بأن تعذر استمرار تجويف السلطة من الداخل (كخيار أول جرى اعتماده لسنتين ونصف السنة) لأسباب تتعلق بالتركيبة الداخلية، يقود إلى الخيار الثاني البديل (الخطة ب)، أي الإفادة من إعادة تركيبها عبر الحلفاء، وبتكبيلها بقوة الأمر الواقع.

لم يكن عن عبث تسابق المسؤولين الإيرانيين على تهنئة الرئيس والمجاهرة باعتبار وصوله انتصاراً لمحور المقاومة. ولم يكن عن عبث أن تُسابق طهران سائر الدول في الترحيب بالعهد الجديد، لا سيما المملكة العربية السعودية، بعدما استرجعت اهتمامها بلبنان بإرسال موفدها إلى بيروت لمباركة ما قام به الحريري من «مخاطرة كبرى». وإذا كان جوهر التسوية قضى بعودة الحريري إلى رئاسة الحكومة مقابل وصول العماد عون، لم يكن عن عبث أن يبدي «حزب الله» حذره من تأثيرات الثنائية المسيحية- السنية التي أخرجت هذه التسوية، على سطوته في السلطة المركزية. ولم يكن عن عبث أن يرد على عودة السعودية إلى لبنان بعدما استفاد سنوات من غيابها، بتبديد أي أوهام حول إمكان قضم نفوذه على المؤسسات الرئيسة، والتي يتوزع مواقعها مع رئيس البرلمان نبيه بري، بتأكيده متانة التحالف الذي حقق الكثير من المكاسب على مر السنين، هذا من دون إغفال توسعه في الشارع عبر تشكيلات عسكرية متعددة.

لا ينظر محور إيران- الأسد إلى الوضع في بيروت بمعزل عن المعارك التي يخوضها في الموصل للسيطرة عليها، وعن تلك التي يخوضها في حلب وفي صنعاء، مقابل اندفاع قوى إقليمية أخرى للحد من تقدم نفوذه في المنطقة.

وإذا وضعنا جانباً التكهنات بأن التسوية الرئاسية اللبنانية هي نقطة تقاطع إيرانية- أميركية للحؤول دون سقوط البلد اقتصادياً، فإن التفاهم الذي أطلق المرحلة الجديدة محفوف بالمخاطر الكبرى، نتيجة التجاذب على توسيع مواقع التأثير داخل السلطة، فأي رئيس، حتى الحليف لـ «حزب الله»، قد يجد نفسه مضطراً للاصطدام بالأمر الواقع الذي يمنع تحقيق أبسط الإنجازات، وأي رئيس للحكومة مجبر على أن يقف في وجه توسل شعارات كبرى من أجل إجهاض دور الدولة، وإحدى المخاطر أن يعود أسلوب تعطيل الرئاستين، بعدما استُنفِد تعطيل الرئاسة بالفراغ. وسيخضع التجاذب في السلطة لقاعدة الشاطر بشطارته، ولمدى انخراط القوى الخارجية فيه.

يعود الرئيس عون إلى القصر الرئاسي متخففاً من المرحلة العسكرية التي حكمت تمترسه فيه آخر الثمانينات، لكنه مثقل بضغوط حلفاء سبق أن فضّل الرضوخ لنهجهم، وبلغة تعبوية حول حقوق المسيحيين يواصل قادة تياره اعتمادها على رغم وصوله إلى الموقع. ويعود الرئيس الحريري إلى السراي الحكومية بعدما عجنته تجاربه السابقة في التعاطي مع خبث السياسة الداخلية والإقليمية التي أخرجته منها آخر 2010، وهو متخفف من أسر اصطفافات سابقة، فهل يكفي كل هذا ليتمكنا من التعاطي مع الآلة الخارجية الضخمة التي سيواجهانها؟

arabstoday

GMT 02:30 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

عون دقّ الباب وسمع الجواب

GMT 13:08 2019 السبت ,31 آب / أغسطس

عندما يحارب الوكيل ويفاوض الأصيل

GMT 05:51 2017 الجمعة ,26 أيار / مايو

الشرق الأوسط «الإيراني» والتنف السوري

GMT 05:10 2017 الجمعة ,12 أيار / مايو

الجمباز الروسي في سورية

GMT 05:56 2017 الجمعة ,05 أيار / مايو

مناطق آمنة للدول أم للسوريين؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صنع في لبنان الإقليمي صنع في لبنان الإقليمي



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab