انكفاء تركيا إلى الداخل

انكفاء تركيا إلى الداخل

انكفاء تركيا إلى الداخل

 العرب اليوم -

انكفاء تركيا إلى الداخل

بقلم : وليد شقير

الأرجح أنه سيتعذر على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الكشف عن هوية الدولة أو «الدول الأجنبية التي قد تكون متورطة في محاولة الانقلاب» الفاشلة التي استهدفت حكم حزب «العدالة والتنمية» ليل الجمعة الماضي، هذا إذا صح هذا الافتراض الذي أطلقه ليل أول من أمس عند إعلانه حال الطوارئ لثلاثة أشهر في تركيا. والمرحلة المقبلة ستوضح ما إذا كانت هناك وقائع صلبة تثبت ذلك، إلا إذا حالت حاجة أنقرة إلى توفير المزيد من العداوات الخارجية عليها، دون الإعلان عن حقائق هي بغنى عما ترتبه من إحراجات.

وقد يكون إطلاقه هذا الافتراض جاء لتبرير إعلان الطوارئ في مواجهة الانتقادات الأوروبية المتصاعدة للإجراءات التي تتخذها حكومته حيال عشرات الآلاف من العسكريين وعناصر الشرطة والموظفين في التعليم وصولاً إلى المصارف والإعلام والتلامذة الذين يتابعون تخصصهم في الخارج، فعلى مدى السنوات القليلة الماضية امتزجت في تركيا الخلافات على السياسة الخارجية مع تلك المتعلقة بسياسة حزب «العدالة» تغيير الوجه العلماني، وإرث كمال أتاتورك الأب المؤسس لتركيا الحديثة بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية.

لجأ أردوغان إلى البراغماتية في مواجهة أضرار ما بات متعارفاً على أنه استئثار بالسلطة في مواجهة خصومه ومنتقديه، الذين ثبت أن الكثيرين منهم لا ينتمون إلى «السلطة الموازية» أو «الدولة العميقة» التي تشكلت من أنصار غريمه فتح الله غولن في المؤسسات الرسمية والخاصة، وإلى الانفتاح على الخارج بدءاً بمحاولة إنهاء الأزمة مع إسرائيل ومع روسيا. افترض أن نجاح هذه الاستدارة سيخرج تركيا من العزلة التي وقعت فيها نتيجة تراجع متانة تحالفاته الدولية، وخصوصاً خلافه مع الولايات المتحدة الأميركية حيال الأزمة السورية ومن خيار إقامة الكيان الكردي السوري. وافترض أيضاً أن المكاسب الاقتصادية الهائلة من تلك البراغماتية، مع موسكو خصوصاً وتل أبيب، ستسوغ له إحكام قبضة حزبه على السلطة.

لكن حجم الإجراءات التي يضطر أردوغان إلى اتخاذها ضد من يتهمهم بالضلوع في الانقلاب في الداخل، وعدد القطاعات التي تشملها، دليل على أن المشكلة داخل المجتمع أعمق بكثير من محاولة الالتفاف عليها عبر العودة إلى «تصفير المشاكل» مع الخارج، فهذه السياسة نشأت بعد الازدهار الاقتصادي الذي أتاحته سياسة حزبه منذ وصوله إلى السلطة وحاجة طبقة جديدة من أصحاب الرساميل، ونمو الطبقة المتوسطة، إلى أسواق خارجية. يقتضي الإنصاف القول إن نظرية «صفر مشاكل» التي ابتدعها رئيس الحكومة السابق أحمد داود أوغلو والتي استندت إلى انعكاسات النمو الاقتصادي السريع داخل المجتمع وغذت طموحات الدور الإقليمي للسلطان الجديد، سقطت نتيجة ظروف موضوعية خارجة عن إرادة حكام أنقرة الجدد، لأن المدى الإقليمي لهذه السياسة خرج عن السيطرة بفعل الحروب الذي أخذت تعصف به، فهي نظرية كان عمادها صفر مشاكل في دول الجوار الذي سعى أوغلو وأردوغان إلى لعب دور الوسيط وساعي الخير في معالجة مشاكلها لأنها أسواق مربحة ومجال حيوي للنفوذ. لكن سرعان ما ثبت استعصاء هذه المشاكل على الحلول، بدليل أنهار الدماء التي تسيل والدمار الذي تنتجه في سورية والعراق وليبيا...

لم تكن البراغماتية التي لجأ إليها أردوغان لتحجب التفاعلات داخل الطبقة الرأسمالية الجديدة مع اتساع رقعة الطبقة المتوسطة، فمن الطبيعي أن تبحث رموزها عن دور لها في السلطة، بعد تراجع الأفق الإقليمي، سواء عبر معارضة غولن أو عن طريق التمسك بالإرث العلماني للدولة التركية أو من خلال أحزاب الأقليات... فالخلاف بين غولن وبين حزب «العدالة» ليس أيديولوجياً، لأن أردوغان استفاد من إسلاميته (المعتدلة) للوصول إلى السلطة، بل هو خلاف ناجم من تنازع على السلطة.

الحقيقة الساطعة التي يكون تجاهلها مجافياً للحقيقة،أن الشعب التركي كانت له المساهمة الكبرى في إفشال المحاولة الانقلابية المتسرعة بنزوله إلى الشارع وباشتراك الأحزاب المعارضة في رفض العودة إلى دوامة الانقلابات على رغم اتهامها أردوغان بالاستئثار، لا تلغي حاجة حزب «العدالة» إلى التفتيش عن تسوية بين أطياف المجتمع.

فالقول إن «الانقلاب لم ينته بعد» على رغم أن إجراءات قمعه طاولت عشرات الألوف من كوادر الدولة والمؤسسات، وتنديد الدول الأوروبية بعدم تطبيق «سيادة القانون»، يكشفان أن الأزمة أعمق من وصف أردوغان الانقلابيين بـ «القلة».

ستضطر تركيا إلى الانكفاء إلى الداخل «لتصفير» مشاكلها، ومعالجة الآثار «العميقة» لمحاولة الانقلاب، وسيكون على الدول الكبرى أن تلائم بين هذا الانكفاء وبين الحاجة إلى دورها الميداني ضد «داعش»، وفي إدارة الحرب السورية.

arabstoday

GMT 02:30 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

عون دقّ الباب وسمع الجواب

GMT 13:08 2019 السبت ,31 آب / أغسطس

عندما يحارب الوكيل ويفاوض الأصيل

GMT 05:51 2017 الجمعة ,26 أيار / مايو

الشرق الأوسط «الإيراني» والتنف السوري

GMT 05:10 2017 الجمعة ,12 أيار / مايو

الجمباز الروسي في سورية

GMT 05:56 2017 الجمعة ,05 أيار / مايو

مناطق آمنة للدول أم للسوريين؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انكفاء تركيا إلى الداخل انكفاء تركيا إلى الداخل



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab