الغطرسة الإيرانية و«عقاب» لبنان

الغطرسة الإيرانية و«عقاب» لبنان

الغطرسة الإيرانية و«عقاب» لبنان

 العرب اليوم -

الغطرسة الإيرانية و«عقاب» لبنان

وليد شقير

تتنازع اللبنانيين، سياسيين وجمهوراً، تيارات وتقديرات متناقضة في التعاطي مع الأزمة الناشئة بين بلدهم وبين المملكة العربية السعودية، غير المسبوقة والخطيرة والمرشحة للتصاعد، خلافاً للآمال بإمكان احتوائها.

أولاً: مع أن قطاعاً واسعاً من اللبنانيين يدرك خطورة الأزمة وآثارها السياسية والاقتصادية، فإن قلة منهم تستوعب المستجدّ في هذه الأزمة مقارنة مع سابقاتها التي عولجت في العقود الماضية باعتبارها «غيمة صيف». ولم يسبق لأي أزمة بين البلدين أن اقترنت بخروج القيادة السعودية عن سياستها التقليدية في مواجهة التوترات الإقليمية باعتماد الديبلوماسية الهادئة وتجنب الحروب، لمصلحة خوض المواجهات العسكرية وتحريك آلتها العسكرية خارج أراضيها دفاعاً عن نفسها في إطار الحرب التي تشنها إيران عليها عبر الأدوات التي نجحت في اصطناعها على مدى العقود الماضية، وصولاً الى حديقتها الخلفية، اليمن.

عدم إدراك جوهر هذا التحول ودخول المملكة في مواجهة للمرة الأولى مع دولة أجنبية، يدفع حتى بعض من يصنَّفون في خانة أصدقاء السعوديين التاريخيين، الى وصف الأزمة بأنها «غيمة عابرة»، فيما هي أعمق بكثير.

وبات على هذا البعض ألا ينتظر من الجيل الجديد الفعال في المملكة تغليب العاطفة التي تحلى بها الجيل الثاني من حكامها وأمرائها تجاه لبنان، الذي أمضوا جزءاً من حياتهم فيه وأعجبوا بمشهده الاجتماعي- السياسي وأقطابه الذين رحلوا. الجيل الثالث، مهما كان تقييم البعض لسياساته، لغة المصالح والبراغماتية عنده تغلب عامل العاطفة حيال لبنان عند الجيل الثاني، الذي بدوره أخذ يستغرب هذا التبدل في المشهد السياسي اللبناني الذي عرفه وخبره وانبهر فيه أحياناً، فاستحال مشهداً هابطاً يفتقد في العديد من وجوهه الى الكفاءة والحنكة والتبصر، ويغلب عليه الصراخ وممارسة الشأن العام بالتبعية لأجهزة المخابرات وتوسل العصبية والشعبوية. بات حديث الجيل السعودي الثاني يبدي العاطفة تجاه لبنان من باب الحنين الى بلد اختفت نكهة الحيوية في حياته السياسية، وتراجع بناء عليه معيار أساسي من معايير التعاطي مع لبنان.

ثانياً: هناك من يعتقد في صفوف أصدقاء السعودية، أن طموح القيادة السعودية أن تواجه الحكومة اللبنانية محاولات «حزب الله» وإيران «مصادرة قرار الدولة»، كما جاء في بيان الرياض عن وقفها المساعدات العسكرية للجيش وقوى الأمن، تنقصه القدرة لدى حلفائها وأصدقائها، فانكفاء المملكة على مدى السنوات السابقة عن لبنان، وخصوصاً منذ عام 2011 (بعد فشل ما يسمى السين- سين)، شمل عدم دعم حلفائها وأصدقائها في لبنان، الأمر الذي فعلت عكسه إيران، فواصلت استثمارها لكسب النفوذ على الساحة اللبنانية سياسياً وعسكرياً وإعلامياً، فدربت فيه ميليشيات ومجموعات وأطلقت فضائيات إعلامية لخدمة مشاريعها الإقليمية، بالتوازي مع تأمين مستلزمات انخراط «حزب الله» في الحرب السورية،

هذا فضلاً عن التسويات التي اضطرت حلفاء السعودية في لبنان وأصدقاءها إلى تقديم التنازلات، نظراً إلى اختلال ميزان القوى بينهم وبين حزب يستخدم قوة سلاحه في بسط نفوذه داخل مؤسسات الدولة وفي الحياة العامة، بما يخدم مستلزمات انغماسه في الحروب التي يخوضها.

وفيما برر حلفاء الرياض التسويات التي عقدوها برهانهم على الدولة، فإن قرار السعودية دعم الجيش اللبناني في هذا السياق بالهبتين اللتين قررتهما للجيش، لم يغير من واقع اختلال ميزان القوى.

ثالثاً: إن جزءاً من الطبقة السياسية يدفن أصحابه رؤوسهم في الرمال في التعاطي مع الأزمة الناشئة بين لبنان والمملكة، لا سيما قيادة «حزب الله»، حين يحيّد الأنظار عن أسباب القرارات السعودية حيال لبنان الى ما يعتبره «مأزق اليمن»، ويتهكم على حملة التضامن اللبناني مع المملكة. فسياسة التعمية على عمق الأزمة هي في الوقت نفسه للتعمية على المأزق الذي غرق فيه الحزب نفسه في اليمن وغيره، والذي ازداد رسوخاً مع إعلان الحكومة اليمنية عن وثائق تدخله هناك، ومن ضمنها القتال على الحدود السعودية، ليضاف ملف إلى ملفات تدخله في أماكن أخرى من العالم أوجبت إجراءات مالية وعقابية ضده.

فالحزب ينفذ خطط طهران الإقليمية ويترك للبنانيين حصاد مفاعيلها على حياتهم ليشملهم العقاب، وهو يعتمد على حلفاء يتعاطون مع الأزمة عبر التلاعب بالألفاظ لأهداف تتعلق بالترشح للرئاسة والحرص على دعم هذا الترشح، ما يدخل الأزمة المستجدة مع المملكة في حسابات صغيرة تغرق لبنان في الأزمة أكثر فأكثر. والغطرسة الإيرانية في استخدام لبنان تجعل الذين ينفذون سياستها عاجزين عن إدراك خطورتها، لأنها تناصب دولاً العداء وتنكر عليها رد الفعل.
أي من هذه التقديرات كاف لاستنتاج أن الأزمة الراهنة ليست قريبة الحل.

arabstoday

GMT 02:20 2024 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

‏حصاد عام من الإنجازات في مجال التراث

GMT 02:08 2023 السبت ,02 كانون الأول / ديسمبر

«إكسبو 2030»... انتصارات ديناميكية للدبلوماسية السعودية

GMT 01:29 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

المرأة في مجتمعاتنا: لا حل غير التمكين

GMT 13:51 2023 الجمعة ,18 آب / أغسطس

غثاثة القول عند السّيد حسن!

GMT 18:13 2023 الأربعاء ,09 آب / أغسطس

سياسات مختلفة لعالم مختلف

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الغطرسة الإيرانية و«عقاب» لبنان الغطرسة الإيرانية و«عقاب» لبنان



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab