الجماعة والثورة والسلطة

الجماعة والثورة والسلطة

الجماعة والثورة والسلطة

 العرب اليوم -

الجماعة والثورة والسلطة

حسن نافعة

شهدت مصر، منذ تأسيس دولتها الحديثة على يد محمد على، أربع ثورات. اثنتان منها قادهما الجيش، أو بالأحرى فجرتهما عناصر وطنية فى جيش لم يصبح مصرياً خالصاً، إلا بعد إبرام معاهدة 1936: ثورة عرابى عام 1882 وثورة الضباط الأحرار عام 1952. أما الثورتان الأخريان: ثورة 1919 وثورة يناير 2011، فقد فجرتهما طلائع مدنية التف حولها الشعب بكل فئاته وطوائفه، وبالتالى تعدان ثورتين شعبيتين كبريين. ولأن جماعة الإخوان المسلمين لم تتأسس إلا فى عام 1928، فمن الطبيعى ألا تكون لها علاقة إلا بالثورات التى اندلعت بعد هذا التاريخ، أى بثورتى 1952 و2011، وهى علاقة ملتبسة فى الواقع، فمن المؤكد أن الجماعة لم تقم بتفجير أى من الثورتين، لكنها سعت لفرض هيمنتها عليهما. وبينما فشلت فى فرض وصايتها على ثورة 1952 تشير ظواهر الأمور إلى أنها نجحت فى تأميم ثورة 2011 لحسابها. لقد واجهت الجماعة، منذ نشأتها، إشكالية لم تتمكن من حلها حتى الآن، ألا وهى تحديد طبيعة العلاقة بين طابعها الدعوى وطموحها السياسى. وإذا كان الطابع الدعوى للجماعة يفرض عليها تلمس السبل التى تساعد على بناء «المجتمع المسلم»، الذى تصوره مؤسسها حسن البنا «من القاعدة إلى القمة»، فإن طموحها السياسى يغريها بالاستيلاء على السلطة، والعمل على بناء المجتمع الذى تصبو إليه من «القمة إلى القاعدة». ولا جدال فى أن الطابع الدعوى للجماعة هو ما أغرى كثيرين بالانضمام إليها فى البداية، ولأن إحساس قادتها بالقوة المتنامية للجماعة، بسبب انتشارها السريع، غير المتوقع، أوقعهم فى غواية السياسة، فقد أقدموا على إنشاء «جهاز سرى»، مرتكبين بذلك أكبر الأخطاء وأخطرها. لم تكن جماعة الإخوان المسلمين، التى نشأت فى مرحلة شبه ليبرالية تتيح حرية تشكيل الأحزاب السياسية، فى حاجة لإنشاء جهاز سرى، إذا كانت جماعة دعوية حقا، فالدعوة إلى صحيح الإسلام، كما تراه الجماعة، لا تحتاج إلا إلى رؤية فكرية قادرة على مقارعة الحجة بالحجة. أما إذا كانت تنظيما يرى فى الوصول إلى السلطة شرطا لازما للتمكين للدعوة، فقد كان بوسعها التحول إلى حزب سياسى يسعى للوصول إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع، وأن يميز نفسه عن بقية الأحزاب بمرجعيته الفكرية الإسلامية. غير أن رفض الجماعة تشكيل حزب سياسى، بدعوى أنه «لا حزبية فى الإسلام»، وإقدامها فى الوقت نفسه على إنشاء جهاز سرى لتحقيق أهدافها، أغراها باستخدام العنف، وسيلة للوصول إلى السلطة. والواقع أن جماعة الإخوان المسلمين لم تتمكن، منذ نشأتها وحتى اليوم، من قيادة ثورة جماهيرية ضد نظام قائم لا يعجبها، ولا من الوصول إلى السلطة عن طريق صناديق الاقتراع، إلا أنها لم تكن مع ذلك بعيدة عن جميع الحركات الصانعة للثورات التى أسقطت النظام «شبه الليبرالى»، عام 1952، كما أسقطت «نظام الفساد والاستبداد»، عام 2011. من المعروف أن جمال عبدالناصر، مؤسس حركة «الضباط الأحرار»، التى فجرت ثورة يوليو، كان قد انضم، فى شبابه، إلى جماعة الإخوان. ورغم أنه سرعان ما هجر الجماعة، فإنه كان حريصاً فى الوقت نفسه على أن تضم حركته داخل الجيش بعض الضباط المتعاطفين مع الجماعة أو المنخرطين فيها تنظيمياً، لتأمين نجاح الحركة. غير أن الجماعة رفضت أن تصبح شريكا فى السلطة، بعد نجاح الثورة، وأصرت على فرض وصايتها كاملة على الثورة، وهو ما رفضه عبدالناصر. لذا بدا الصدام حتميا، وأصبح عنيفا ودمويا، فى مراحل تالية. ومن المعروف كذلك أن جماعة الإخوان المسلمين، التى أسهمت سياسات الرئيس السادات فى عودتها من جديد إلى قلب الحياة السياسية المصرية، اعتباراً من بداية السبعينيات، كانت على علاقة وثيقة بكل الحركات الثورية، المعارضة لمبارك، خاصة بعد ظهور ولده جمال على الساحة، ووضوح رغبة النظام فى توريث السلطة، فلم تكن جماعة الإخوان بعيدة عن أجواء عملية حراك سياسى أفرز جماعات وائتلافات، معارضة للنظام، وأدى تراكم نشاطها وتفاعلاتها فى النهاية إلى تفجير ثورة يناير. لقد أتيح لى شخصياً أن أتعرف عن قرب على الدور الذى لعبته الجماعة فى بعض هذه الحركات، خاصة عندما كنت نائباً للدكتور عزيز صدقى فى الجبهة الوطنية للتغيير، أو منسقاً عاماً للحملة ضد التوريث، ثم للجمعية الوطنية للتغيير. وقد سبق لى أن نوهت، فى كتابات سابقة، ومن واقع تجربتى الشخصية، إلى أن دور الجماعة فى دعم الحركات التى مهدت لثورة يناير كان فاعلًا، لكنه لم يكن أبداً ثورياً أو مبادراً، وغالباً ما كان يأتى متأخراً ومناوراً. وبدلاً من قيام الجماعة باستخدام ميزتها النسبية فى التعاون مع رفاق الثورة، لتأسيس نظام ديمقراطى يتسع للجميع، ويمكن للدعوة الإسلامية أن تزدهر فيه، تغلب نهمها للسلطة، وفضلت الانفراد بها، وتهميش كل القوى التى صنعت ثورة مهدت لها طريق الوصول للسلطة. غير أن سلوك الجماعة على مدى العامين الماضيين كشف عن حقيقتين على جانب كبير من الأهمية: الحقيقة الأولى: أن قدرة الجماعة على خدمة الدعوة الإسلامية تبدو محدودة جداً، إذا ما قورنت بما يمكن لمؤسسة عريقة مثل الأزهر أن تقوم به فى هذا المجال. الحقيقة الثانية: أن قدرة الجماعة على قيادة مصر سياسياً، خصوصاً فى مرحلة تأسيسية كالتى تمر بها حالياً، تكاد تكون معدومة، نظراً لافتقارها إلى الخبرات اللازمة. لقد ثبت، بما لا يدع أى مجال للشك، أن جماعة تتكون من أنصاف دعاة وأنصاف سياسيين لا تستطيع أن تدير مصر، خصوصاً فى المرحلة التأسيسية التى تعقب قيام الثورة. لذا يتعين على جماعة الإخوان، إن كانت تحرص على الوطن حقاً، أن تراجع نفسها وأن تعود إلى رشدها، وأن تتعاون مع الآخرين للتأسيس لنظام ديمقراطى حقيقى يليق بمصر الثورة، وعليها أن تتذكر حقيقة بسيطة، هى أنها شاركت فى الثورة، لكنها لم تصنعها، ومن ثم لا يحق لها أن تنفرد بقيادتها، وأن مرحلة التأسيس لنظام جديد تتطلب مشاركة الجميع، بصرف النظر عن نتائج الصندوق التى يمكن الاحتكام إليها لاحقاً. نقلا عن جريدة المصري اليوم

arabstoday

GMT 07:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 07:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 06:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 06:56 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 06:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 06:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 06:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الجماعة والثورة والسلطة الجماعة والثورة والسلطة



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab