حسن نافعة
شُكلت حكومة هشام قنديل الأولى قبل ستة أشهر من دخول الدستور الحالى حيز التنفيذ. لذا لم يكن رئيس الجمهورية، صاحب الاختصاص الوحيد فى اختيار وتعيين رئيس الوزراء، ملزماً باتباع إجراءات دستورية معينة عند تشكيل هذه الحكومة. غير أن التعديل الوزارى، الذى تم منذ أيام، جرى فى ظل دستور دخل حيز التنفيذ، وبالتالى يتعين على رئيس الجمهورية أن يلتزم، عند تشكيله الحكومة، بالإجراءات المنصوص عليها فى هذا الدستور، كما يتعين فى الوقت نفسه إخضاع أداء الحكومة، بعد تشكيلها، للإجراءات الرقابية، وهو ما لم يحدث حتى الآن، وليس من المتوقع أن يحدث فى القريب العاجل.
من المعروف أن إخضاع أداء الحكومة لرقابة البرلمان يعد أحد أهم الأسس التى ترتكز عليها النظم الديمقراطية فى العالم. فوفقاً للقواعد المعمول بها فى النظم الديمقراطية المستقرة لا تستطيع الحكومة ابتداء أن تشرع فى ممارسة مهامها قبل حصولها على ثقة البرلمان، كما يستطيع البرلمان أن يسحب الثقة من الحكومة فى أى وقت. بل إن البرلمان قد يلعب، فى بعض الأحيان، دوراً فى اختيار رئيس الحكومة نفسه، وهو ما أخذ به الدستور المصرى. فالمادة 139 من هذا الدستور تنص على:
«يختار رئيس الجمهورية رئيساً لمجلس الوزراء، ويكلفه بتشكيل الحكومة وعرض برنامجها على مجلس النواب خلال ثلاثين يوما على الأكثر، فإذا لم تحصل على الثقة يكلف رئيس الجمهورية رئيساً آخر لمجلس الوزراء من الحزب الحائز على أكثرية مقاعد مجلس النواب، فإذا لم تحصل حكومته على الثقة خلال مدة مماثلة، يختار مجلس النواب رئيساً لمجلس الوزراء ويكلفه رئيس الجمهورية بتشكيل الحكومة، على أن تحصل على الثقة خلال مدة أخرى مماثلة، وإلا يحل رئيس الجمهورية مجلس النواب، ويدعو لانتخاب مجلس جديد خلال ستين يوماً من تاريخ صدور قرار الحل. وفى جميع الأحوال يجب ألا يزيد مجموع المدد المنصوص عليها فى هذه المادة على تسعين يوماً. وفى حالة حل مجلس النواب، يعرض رئيس مجلس الوزراء تشكيل حكومته وبرنامجها على مجلس النواب فى أول اجتماع له.
ويبدو واضحاً أن هذا النص الدستورى الذى يعد إحدى الدعامات الأساسية للنظام السياسى المصرى الجديد لم يدخل بعد حيز التنفيذ. فالدكتور هشام قنديل، الذى اختاره الدكتور مرسى ليكون أول رئيس لمجلس الوزراء فى عهده، لم يعرض برنامج حكومته على مجلس النواب، ولم يحصل على الثقة من أى مجلس منتخب، سواء كان مجلس النواب أو مجلس الشورى. الأهم من ذلك أن حكومة هشام قنديل الأولى لم تخضع لأى نوع من الرقابة، وليس من المتوقع أن تخضع حكومته الثانية لمثل هذه الرقابة فى المستقبل، بل ولن يكون بوسع أى جهة أن تسحب منها الثقة، باستثناء رئيس الجمهورية الذى يملك وحده حق إقالتها وتعيين حكومة بديلة دون إبداء الأسباب.
علينا أن نعترف ابتداء بأن هذا الوضع شاذ، ولا يمت إلى الممارسات الديمقراطية بصلة. أما أسبابه فلا تعود إلى افتقار النصوص الدستورية بقدر ما تعود إلى خلل فى بنية النظام السياسى أدى إليه سوء إدارة المرحلة الانتقالية التى لاتزال مستمرة حتى الآن. فالدستور يمنح مجلس النواب الحق فى إقرار أو رفض برنامج الحكومة، بل والحق فى تعيين رئيس الحكومة نفسه إذا فشل رئيس الحكومة المعين من جانب رئيس الدولة فى الحصول على ثقة المجلس (المادة 139 السابق الإشارة إليها)، كما يمنح مجلس النواب الحق فى سحب الثقة من رئيس الحكومة أو من أى عضو من أعضائها فى أى وقت (المادة 126). غير أن سوء إدارة المرحلة الانتقالية أثار صراعات أفضت فى النهاية ليس فقط إلى حل مجلس النواب فى مرحلة شديدة الحساسية، وإنما أيضا إلى عجز الرئيس المنتخب عن معالجة هذا الغياب الفادح بطريقة صحيحة. صحيح أن الدستور الحالى يتضمن أحكاماً انتقالية «تتيح لمجلس الشورى القائم بتشكيله الحالى تولى سلطة التشريع كاملة حتى انعقاد مجلس النواب الجديد» (المادة 230)، غير أن هذا التفويض يقتصر على سلطة التشريع فقط، ولا يتعداها إلى سلطة الرقابة على الأداء أو سحب الثقة.
فى سياق ما تقدم، يتضح لنا أن النظام السياسى القائم فى مصر حالياً يتيح لرئيس الدولة أن يختار من يشاء لرئاسة الحكومة، ويتيح للحكومة المعينة من رئيس الدولة أن تفعل ما تشاء دون رقيب أو حسيب، بل ودون برنامج معتمد من السلطة التشريعية، ما يعكس وجود خلل جسيم فى بنية النظام الحاكم يصعب التعايش معه. ولأنه ليس الخلل الوحيد، أظن أن الأمر يحتاج إلى معالجة أكثر شمولاً، نأمل أن نتصدى لها فى المقال الأسبوعى.
نقلا عن جريدة المصري اليوم