نجاح بطعم الفشل

نجاح بطعم الفشل

نجاح بطعم الفشل

 العرب اليوم -

نجاح بطعم الفشل

حسن نافعة

تشير التقديرات الأولية لنتائج المرحلة الثانية من الاستفتاء على مشروع الدستور إلى أن حوالى 70% من الناخبين الذين توجهوا إلى صناديق الاقتراع، والذين لم تتجاوز نسبتهم ثلث عدد الناخبين المسجلين على القوائم الانتخابية، قالوا «نعم» لهذا المشروع، بينما رفضه حوالى 30%. وبإضافة نتائج المرحلة الأولى إلى نتائج المرحلة الثانية تصبح النتائج النهائية كالتالى: حوالى 64% ممن شاركوا فى الاستفتاء بمرحلتيه وافقوا على مشروع الدستور الذى طرح للاستفتاء، بينما رفضه حوالى 36%. إذا طبقنا المعايير المعتمدة فى الجامعات المصرية لتحديد التقدير الذى يحصل عليه الطلاب حين اجتيازهم الامتحان فى نهاية العام، أو فى الفصل الدراسى على نتائج هذا الاستفتاء، فيمكن أن نقول إن مشروع الدستور نجح فى الاقتراع الشعبى بدرجة «مقبول»، والتى تعطى لكل طالب يحصل فى الامتحان على درجة أكبر من 50% من الدرجة النهائية وأقل من 70%. وإذا صرفنا النظر عن صفحة التجاوزات التى قيل إنها ارتكبت أثناء عملية الاقتراع، وهى تجاوزات تشبه حالات الغش فى الامتحان، وتعرض من يضبط متلبسا بارتكابه لعقوبة أقلها الحرمان من أداء الامتحان، وبالتالى لرسوب مؤكد، يمكن القول إن مشروع الدستور اجتاز الاختبار الشعبى بنجاح، ويمكنه الحصول على «الشهادة» المطلوبة لتقديمها إلى من يهمه الأمر. غير أن الأمر فى حقيقته ليس على هذه الدرجة من البساطة، فمشروع الدستور الذى طرح على الشعب المصرى لاستفتائه عليه ليس كغيره من مشروعات الدساتير التى طرحت للاستفتاء فى كل أنحاء العالم، وأجيزت بأغلبية بسيطة من الناخبين الذين شاركوا فى التصويت، فلم يحدث فى أى دولة فى العالم أن طرح للاستفتاء مشروع دستور كتبته لجنة تأسيسية تم حلها قضائيا مرة، ثم أعيد تشكيلها بذات الطريقة المعيبة، فطعن عليها مرة أخرى أمام القضاء، ثم انسحب منها خُمس أعضائها قبل التصويت على مواد المشروع، ثم اضطر رئيس الدولة لتحصينها قضائيا ليتيح لها مهلة زمنية إضافية، للتوصل إلى توافق حول المواد المختلف عليها، لكنها لم تستفد من هذه المهلة، وهرولت فى سابقة لا مثيل لها فى تاريخ الدساتير فى العالم للتصويت على مواد الدستور خلال جلسة متواصلة استمرت عشرين ساعة، هرباً من الملاحقة القضائية ولكى تنهى مهمتها قبل انعقاد جلسة المحكمة الدستورية العليا، التى قيل إنها ستنطق فيها بالحكم بعدم دستورية القانون 79 لسنة 2012 المحدد لمعايير اختيار أعضائها!!!. فإذا أضفنا إلى ما تقدم أن عملية الاستفتاء جرت فى ظل مقاطعة قضائية اضطرت معها السلطات المسؤولة لتنظيمها على مرحلتين، وهو أمر يمكن أن يثير بدوره تعقيدات قانونية كثيرة، لتبين لنا بوضوح أن الدستور المصرى ولد من خلال عملية جراحية غير نظيفة وغير مضمونة العواقب. ورغم ذلك فلو أن هذا المشروع كان قد أقر بأغلبية تصل إلى حد «الاكتساح الشعبى» لكان بإمكان رئيس الدولة أن يقيم الحجة على المعارضة، وأن يمضى قدماً على الطريق الذى اختاره، غير عابئ بتلك المعارضة الهشة أو «النخبوية»، وهو ما لم يحدث، فنسبة الذين وافقوا صراحة على مشروع الدستور لم تتجاوز 20% من إجمالى عدد الناخبين المسجلين فى القوائم الانتخابية، أما النسبة الباقية، التى تمثل الأغلبية الساحقة، فقد توزعت بين رفض صريح لمشروع الدستور «12%» وامتناع عن الذهاب أصلا إلى صناديق الاقتراع، وبالتالى عن التصويت «68%». بعبارة أخرى، يمكن القول إن العقد الاجتماعى الذى يفترض أن ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم فى مصر الجديدة لم يحصل على أغلبية بسيطة من إجمالى الناخبين، ولا على أغلبية ثلثى المشاركين فى الاستفتاء عليه. ولأن الحصول على أغلبية خاصة يعد أمرا ضروريا لاعتماد دستور طرح مشروعه فى ظروف استثنائية وملتبسة، قياسا على الطريقة المعتمدة لاتخاذ القرارات المتعلقة بالمسائل المهمة فى كل المحافل الدولية، لا يخالجنى شك فى أن المشروع الذى طرح لاستفتاء الشعب المصرى عليه سقط سياسيا، حتى لو تم اعتماده قانونيا، وبالتالى فهو غير قابل للتنفيذ فى الظروف الراهنة وسيثير تطبيقه من المشكلات أكثر مما يحل. لذا، يمكن قراءة نتائج الاستفتاء، باعتبارها «نجاحاً بطعم الفشل» بالنسبة للنظام الحاكم، و«فشلاً بطعم النجاح» بالنسبة لقوى المعارضة. نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"

arabstoday

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 03:56 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 03:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 03:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 03:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 03:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 03:37 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين وإسرائيل في وستمنستر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نجاح بطعم الفشل نجاح بطعم الفشل



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab