بقلم - كريمة كمال
لا أعتقد أن أحدًا قد نسى قضية «بسنت خالد»، الفتاة ذات السبعة عشر عاما، التى انتحرت بتناول حبوب الغلة بعد أن تم ابتزازها إلكترونيا بصور خليعة مفبركة من قبل ثلاثة شبان بعد أن قام أحد الشباب بتركيب صور لها على أحد برامج تعديل الصور ونشرها على الفيس بوك ولم تتحمل الفتاة الصغيرة وطأة الفضيحة فانتحرت.. وصلت القضية إلى القضاء، وحكمت محكمة جنايات طنطا بمعاقبة المتهمين الخمسة بالسجن خمسة عشر عاما لثلاثة متهمين، ومعاقبة اثنين آخرين بالسجن خمس سنوات.
«بسنت» ليست الضحية الوحيدة لحالات الابتزاز الإلكترونى، فهناك الكثير من الحالات التى لا تصل إلى القضاء، والتى يحجم الضحايا فيها عن الإبلاغ، وبالتالى يفلت الجانى بجريمته وتدفع الضحية الثمن من سمعتها وربما حياتها.. لذلك سعدت جدا بالمشاركة فى مائدة الحوار التى نظمها مركز قضايا المرأة المصرية حول آليات الحماية القانونية والسلامة النفسية للنساء فيما يخص جرائم الابتزاز الإلكترونى.
وهالنى ما ذكره أحمد حجاب، الباحث والمدرب فى السلامة الرقمية من تطور جرائم الابتزاز الإلكترونى بسرعة شديدة جدا، وبالذات بعد أن ظهر الذكاء الاصطناعى وتحدث عن سهولة الاختراق وسهولة ارتكاب جرائم الابتزاز وكيف أن الوصول إلى الضحية وابتزازها قد صار ممكنا وسهلا فى ضوء التطور التكنولوجى السريع.
كما تحدثت الدكتورة حنان نشأت الأمين العام لرابطة الإخصائيين النفسيين المصرية والمعالج بمستشفيات الشرطة عن حقيقة أن كثيرا من الفتيات والسيدات لا يقومن بالإبلاغ عن جرائم الابتزاز الإلكترونى التى يتعرضن لها بسبب الأساطير النفسية والمخاوف الاجتماعية وما الذى على المجتمع والمؤسسات أن تفعله لتوفر الدعم النفسى للضحية لكى تُقدِم على الإبلاغ.
هنا يكون السؤال: «أين الإشكاليات القانونية المرتبطة بحماية الضحايا والمبلغين فى جرائم الابتزاز الإلكترونى؟.. وما آليات الحماية القانونية؟.. وهو ما تحدث فيه «محمود عبدالفتاح» المحامى بالنقض والخبير الحقوقى، موضحا وضع القوانين وما الذى نحتاجه لكى نوفر الدعم والمساندة القانونية للضحايا.
والواقع أن مشاركة الحاضرين فى المائدة كان له كثير من الأهمية للقضية المثارة، حيث تحدث المحامون والمحاميات المشاركين فى المائدة عن حقيقة ما يواجهونه من عقبات عند الإبلاغ عن جريمة ابتزاز إلكترونى، حيث ذكرت المحامية «نسمة الخطيب» كيف أنها لا تقوم بالإبلاغ عن الجريمة بوصفها جريمة ابتزاز إلكترونى، بل تلجأ إلى توصيفها بتوصيف قانونى آخر.
حيث إن التعامل مع الجرائم الإلكترونية لم يصبح ممكنا بعدْ، ولا يُنظر إليها بطريقة فعالة مما لا يمكن المحامى من الإبلاغ وعمل المحضر المطلوب لتحريك الدعوى.. لم نعتد بعد المشكلة أو الجريمة، ولذلك لم تعتد المؤسسات المنوط بها التعامل مع الواقعة كيفية التعامل مع الجريمة الإلكترونية.
المشكلة الأخطر فى نظرى فى مثل هذه الجرائم هى ما تتعرض له الضحية من تفتيش فى سلوكها من هذه المؤسسات، وحقيقة ما إذا كانت لها صلة بالجانى، مما دفعه إلى ارتكاب الابتزاز من عدمه، وهو ما يدفع كثيرا من الضحايا إلى عدم الإبلاغ، حيث تصبح هى المدانة أخلاقيا فى نظر القائمين على هذه المؤسسات إلى أن يثبت العكس.
بينما الواقع أن ارتكاب جريمة الابتزاز لا صلة له بما إذا كانت هناك صلة ما بين الجانى والضحية أم لا.. جريمة الابتزاز جريمة فى كل الأحوال، وليس مطلوبا تبرئة أو إدانة الضحية، بل المطلوب محاسبة وعقاب الجانى.
هذه القضايا الجديدة علينا كمجتمع يجب أن تخضع للمناقشة مجتمعيا وإعلاميا أيضا.. وهنا أتساءل: أين إعلامنا من مثل هذه القضايا؟ وأين دوره فى توعية المجتمع بها؟!.