أعملوا عقولكم أيها البشر

أعملوا عقولكم أيها البشر

أعملوا عقولكم أيها البشر

 العرب اليوم -

أعملوا عقولكم أيها البشر

بقلم - سحر الجعارة

هل العلمانى بالضرورة ملحد؟؟.. وهل التنوير يسعى إلى إلغاء الأديان من الحياة أم إلى تقويض سلطة «رجال الدين».. سأحاول الإجابة ببساطة عن هذه المفاهيم منذ نشأتها: التعريف الشائع للعلمانية هو فصل الدين عن شئون الدولة، وتختلف مبادئ العلمانية باختلاف أنواعها، فقد تعنى عدم قيام الدّولة بإجبار أيّ أحدٍ على اعتناق وتبنّى معتقدٍ أو دينٍ أو تقليدٍ معينٍ لأسباب ذاتيّة غير موضوعيّة. كما تكفل الحقّ فى عدم اعتناق دينٍ معيّنٍ وعدم تبنّى دينٍ معيّنٍ كدينٍ رسميٍّ للدّولة.. الخلاصة أنها تخلص الأنشطة البشرية والسياسية من سطوة المؤسسات الدينية.

لهذا عمدت المؤسسات الدينية إلى نشر الخلط الشائع بين «العلمانية والكفر»، وتعمدت تكريس الفكرة بين العامة والبسطاء لرجم رموز العلمانية ووصمهم والابتعاد عن أفكارهم «المحرّمة» والركوع فى محراب رجال الدين.

هذا لا يعنى أن «اللادينية» عار يجب التطهر منه أو إنكاره، فالعلمانية كما تعرّفها «دائرة المعارف البريطانية» هى: (حركة اجتماعيّة تتّجه نحو الاهتمام بالشّئون الدُّنيويّة بدلاً من الاهتمام بالشّئون الأخروية).

وإذا أيقنا أن «الليبرالية» أحد أعمدة النظام العلمانى، فبالقطع العديد من منظّرى العلمانية وفلاسفتها المؤسسون من أعلام «الفكر الحر» خلال العصر الحديث «لادينيين».. لكن هذا لا يمنع من دعمهم للدين.

فى مصر وفى الوقت الحالى سوف تجد معظم العلمانيين هم الأكثر دفاعاً عن المسيحيين، أولئك الذين يعانون من التضييق عليهم فى بعض دول الشرق الأوسط أو الوصم والتهجير أحياناً.. فالعلمانية تحمى «الحريات الدينية» وحرية ممارسة الشعائر الدينية، لكنها تضع فواصل محددة بين الدينى والدنيوى.. وبين «حرية الاعتقاد» كأحد حقوق الإنسان وبين تحويل معتقدك إلى مبرر وأداة لإيذاء الآخر وحرمانه من حقوقه.

ارتبط «عصر التنوير» كحركة أوروبية فكرية علمية معروفة بكتاب «الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية» الذى ألفه نيوتن عام 1687.. ويشتمل التنوير - منذ نشأته - على مجموعة من الأفكار التى تركز على سيادة العقل والأدلة على الحواس بوصفها مصدراً أساسياً للمعرفة، وعلى المثل العليا كالحرية والرقى والتسامح والإخاء والحكومة الدستورية وفصل الكنيسة عن الدولة.. وتضمنت المبادئ الأساسية لفلاسفة التنوير فى فرنسا الحرية الفردية والتسامح الدينى، مقابل الملكية المطلقة والعقائد الثابتة للكنيسة الكاثوليكية الرومانية.

لهذا برزت مقاومة شرسة من المؤسسات الدينية للتنوير، فهاجس ما حدث للكنيسة يطاردهم: أنت لا تستطيع أن تقول لرجل الدين لا تخرج الدين من مسجدك أو كنيستك.. مع ملاحظة أن المؤسسات الدينية فى العالم العربى تحظى بميزانيات ضخمة، ولديها خبراء فى شتى المجالات وأبواق إعلامية وهيئات ومنظمات.. كل هذا يمكّنها من الدفاع عن سلطتها ووصايتها على البشر.. فهى مكانة تنافس السلطات الحاكمة فى بعض الدول وتشكل «سلطة موازية» تتحكم فى مجريات الحياة الاجتماعية والاقتصادية السياسية.. بل وتخترق برجالها معظم المؤسسات الرسمية للدولة.. إنه نفس منهج «الإسلام السياسى».

حين سئُل «إيمانويل كانت» ما هو التنوير؟ أجاب بقوله: «إنه خروج الإنسان عن مرحلة القصور العقلى وبلوغه سن النضج أو «سن الرشد»، كما عرَّف القصور العقلى على أنه «التبعية للآخرين وعدم القدرة على التفكير الشخصى أو السلوك بدون استشارة الشخص الوصى علينا» ومن هذا المنظور جاءت صرخته التنويرية لتقول: (أعملوا عقولكم أيها البشر.. لتكن لكم الجرأة على استخدام عقولكم.. فلا تتواكلوا بعد اليوم ولا تستسلموا للكسل والمقدور والمكتوب).. كما حذر من الطاعة العمياء للقادة أو لرجال الدين: التنوير لا يعادى الأديان بل يعادى هيمنة رجال الدين على الإنسان.

لم يكن «التنوير» مجرد صرخة فى وجه رجال الدين ورفض لمنهجهم، بل كان محاولة لفصل الدينى عن الدنيوى.. إنه حركة عقلانية تعلى قيمة العلم والتجريب فى مواجهة تراث ضخم من الخرافات والغيبيات التى لا تخضع.. ولهذا يشعر رجال الدين بالتهديد لأن «المادة الخام» لتجارتهم وسلطتهم تتبخر أمام العلم التجريبى.. وهكذا تمحور الصراع حول «الدين» مع اهتمام ملحوظ بـ«الحركة النسوية» التى ترتبط أيضاً بمفاهيم دينية.. وتراجعت الأبعاد السياسية والاجتماعية من أجندة التنويريين، الذين لا يجمعهم لوبى ولا هيئة ولا جمعية أهلية.. وربما يتناحرون فيما بينهم.. وهذا يحتاج لمقال آخر.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أعملوا عقولكم أيها البشر أعملوا عقولكم أيها البشر



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 العرب اليوم - شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أشرف حكيمي يمدد عقده مع باريس سان جيرمان حتي عام 2029

GMT 18:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 09:37 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ثوران بركاني جديد في أيسلندا يهدد منتجع بلو لاجون الشهير

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 11:06 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مستشفى كمال عدوان بدون أكسجين أو ماء إثر قصف إسرائيلي مدمر

GMT 10:21 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل اعتقلت 770 طفلاً فلسطينيًا في الضفة منذ 7 أكتوبر

GMT 12:02 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

قصف إسرائيلي يقتل 8 فلسطينيين في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab