البعض يموت مرتين

البعض يموت مرتين

البعض يموت مرتين

 العرب اليوم -

البعض يموت مرتين

بقلم - سحر الجعارة

آخر سؤال يمكن أن يطرحه الإنسان، فى قلب عواصف التكفير، هو السؤال عن «تجديد الخطاب الدينى»! فمن منا يملك «شجاعة» تمكنه من رفض «إسلام الفقهاء» الذى نتبعه كالقطيع؟، ليتورط فى تهم من عينة: (الانضمام إلى جماعة القرآنيين، ورفض السنة كمصدر ثانٍ للتشريع الإسلامى). إنها تهم تحرّض على المطالبة برأسك، أو -فى أحسن الأحوال- بالحجر عليك!

لقد سلّمنا عقولنا -طواعية- لنجوم التطرّف، نأخذ عنهم «إسلام السوشيال ميديا» المعلب فى دولارات «يوتيوب»، دون أى مراجعة لرائحة المصالح، التى تفوح من «مباخر علماء» يفصّلون الفتوى على مقاس انتمائهم المؤقت!

حتى أصبح قانون «مصادرة الآخر» منهجاً فكرياً لديهم، ومن لم يتعظ ببرامج «الترهيب»، ينتظره مصير الدكتور «نصر حامد أبوزيد» «النفى من الوطن»!

«علماء يوتيوب وتيك توك» لديهم بضاعة يروجون لها، إنهم يعملون فى مساحة لا تقبل التنازل عن الأفكار الصدئة بزعم أنها للسلف الصالح.. وبالتالى أى محاولة للاجتهاد تُهدّد مصالحهم مباشرة.

الساحة لم تكن تتسع من قبل لكتاب عنوانه «المرأة المسلمة بين تحرير القرآن وتقييد الفقهاء».. فتمّت مصادرته، الكتاب كان للمفكر الإسلامى الراحل «جمال البنا»، الذى لم تفلح حملات التشويه فى إدخال «الرعب» إلى قلبه، ولم تثنه عن نشر الكتاب الصدمة (جناية قبيلة «حدثنا»)، الذى يعالج قضية «رواة الأحاديث النبوية» أى من سماهم «قبيلة حدثنا»، فى محاولة لتنقية السنة النبوية المطهرة من إسرائيليات لا أصل لها، ومئات الأحاديث عن «الغيب»، وهو ما تقوم به السعودية حالياً.. لكنه كان سبباً فى تكفيره آنذاك.

لقد أكد «البنا» فى مقدمة كتابه أنه: (لا يقصد «السُنّة»، لأنها العمل والمنهج والدأب والطريقة، ولكنه يعنى الأحاديث الشفهية، التى تناقلها المحدثون عبر 150 عاماً قبل بدء التدوين)، لكن المتربّصين بأى محاولة اجتهاد لم يقرأوا الكتاب ولا حتى المقدّمة!

«البنا» سرد -فى كتابه- الكثير من الأحاديث والوقائع، خلاصتها أن النبى -صلى الله عليه وسلم- والصحابة نهوا عن «تدوين» الأحاديث حتى لا يكون هناك كتاب آخر للمسلمين غير المصحف الشريف.

لقد عاش «جمال البنا» ومات زاهداً، لم يكن لديه ما يخسره «لا ولد.. ولا منصب ولا ثروة»، ولد لأب يبيع الأسطوانات، وهو شيخ معمّم فتربى داخل «مكتبة» هى كل ثروة أسرته الفقيرة.. وتربى مع شقيقه «حسن»، مؤسّس «جماعة الإخوان»، دون أن يمسسه جنون الدعوة وشره السلطة!

فى مذكراته المنشورة، قال «جمال البنا»: إنه تمرد على فكر جماعة، فكان يرى دائماً أنه تعلم ما لم يتعلمه «حسن»، وألّف من الكتب ما عجز «حسن» عن تأليفه.. ولهذا رفض أن يكون «ابنه الروحى».

لم يكن «جمال» متديناً فى طفولته، ولم يحفظ القرآن، كانت طفولته «مدنية».. ولهذا كان يرى «الإخوان» متخلفين فى القضايا التى تتعلق بالمرأة، والسياسة، والمسيحيين، وغيرها.

كان يعارض شقيقه دائماً، وحين سمعه يُردّد شعار (الموت فى سبيل الله أسمى أمانينا، الله غايتنا والقرآن دستورنا والرسول زعيمنا)، ألف كتاب «ديمقراطية جديدة» ليرد على فكر الإخوان.

كان مؤمناً بالإنسان، مناضلاً وسط العمال، يرفض الحياة «البرجوازية».. و«برجوازية الكتابة»، التى تعتمد على «التقليد» تحت شعار أكاديمى!

وفى مذكراته -المشار إليها- فك شفرة تسليح الإخوان، وتكوين جيش من خلال فرق الكشافة والجوالة، بزعم تحرير مصر من الإنجليز وتحرير فلسطين.. وكشف النقاب عن أسرار مهمة ومثيرة عن «جماعة الإخوان» ويومياته فى المعتقل.

كنت أحب هذا الرجل، أشعر كلما قابلته كم هو «مضطهد» بقدر ما هو «مستنير»، كنت أشعر أنه فى عمر التسعين لا يزال طفلاً يعانى الحرمان من اللعب بالدراجة مثل رفاقه.. يعانى سطوة شهرة أخيه التى دفنته حياً، يشعر بالغربة فى عالم ضيق الأفق، لا يجد للاجتهاد مبرّراً.. عالم يسيطر عليه «بيزنس الدين».

كان -رحمه الله- يعشق الإمام «محمد عبده»، الذى اعتبر وجوده دليلاً على قوة الدين الإسلامى وبساطته، لكونه مجتهداً ومبسطاً وليس عقيماً ومنفراً.

لكن ارتكب ذنباً لا يُغتفر، فصدامه الدائم مع رجال الدين كان كفيلاً بتكفيره ووصمه بالزندقة.. واغتياله معنوياً!

دعاوى تكفير «جمال البنا» وجدت فى آرائه المتعلقة بالقبلات والتدخين فى نهار رمضان سبباً كافياً لإقامة «حد الحرابة» عليه.. لكن «جمال» لم يتراجع عن أفكاره ولم يتنصّل منها، وقال: (يقول النص القرآنى: «الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ»، ويتضح من الآية أن هناك كبائر إثم وفواحش يجب ألا يقع فيها الإنسان، وهناك شىء آخر يُسمى «اللمم»، وبمجرد أن طرحت نتيجة بحثى واجتهادى خرجت دعاوى التكفير الكبرى ضدى).. تختلف أو تتفق مع الرجل لا يهم، فلن تحرمه «أجر الاجتهاد»، لكن من اغتالوه حياً ودفنوا ذكراه ميتاً أغلقوا «باب الاجتهاد».. ليحكمونا بأفكار متشددة!

لقد كان «جمال البنا»، رحمه الله، يكره عملية الفتوى والمفتى والمستفتى ويقول للمستفتى: (استفتِ قلبك واقرأ واطلع لكى تعرف).. فاقرأوا التراث الفكرى لرجل لم نعرف قيمته إن عثرتم عليه.. حتى لا يكون مات مرتين!

arabstoday

GMT 07:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 07:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 06:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 06:56 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 06:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 06:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 06:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البعض يموت مرتين البعض يموت مرتين



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 17:12 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
 العرب اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يعلن عن مكافأة 5 ملايين دولار مقابل عودة كل رهينة

GMT 14:17 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادين نجيم تكشف عن سبب غيابها عن الأعمال المصرية

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا تشارك في حفل توقيع كتاب «فن الخيال» لميرفت أبو عوف

GMT 08:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

تنسيق الأوشحة الملونة بطرق عصرية جذابة

GMT 09:14 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات أوشحة متنوعة موضة خريف وشتاء 2024-2025

GMT 06:33 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صهينة كرة القدم!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab