حضرت درساً رائقاً للدكتور أسامة الأزهرى فى أعقاب صلاة التهجد أمس.
قال كلاماً أحسبه مهماً ويؤسس لفكر دينى ناضج ينقل الكلمة إلى القيمة ومن القيمة إلى المؤسسة.
الرجل يقول إن القرآن كلام الله، وجاء فى كلام الله كلمات محددة تشكل بوصلة الإنسان المسلم. كلمة «الرحمة» لا بد أن يستوعبها المسلم باعتبارها قيمة عليا على المسلمين أن يتفاعلوا معها، وحين تفاعلوا معها أنتجوا العديد من المؤسسات التى ترجمتها إلى مستشفيات بعضها ثابت وبعضها متنقل من مئات السنين.
القرآن تحدث عن الله «رب العالمين» ورب العالمين هو رب الكون، وهذا يقتضى أن يتعلم المسلمون علوم الكون، وعلوم الفلك، وعلوم الجغرافيا.
القرآن الكريم تحدث عن الجمال، فكان واجباً على المسلمين أن يهتموا بالخط العربى وبهندسة العمارة والمبانى وتخطيط المدن، وحسن المظهر فى غير مبالغة.
أزعم أن الرجل لو كان أكمل درسه لتحدث عن «كلمة الشورى» والتى كان ينبغى أن تتحول إلى «قيمة» ومنها إلى مؤسسات كتلك التى سبقنا إليها الغرب.
يحضرنى قول الشيخ محمد الغزالى رحمة الله عليه فى كتاب: «مشكلات فى طريق الدعوة الإسلامية»: «ولا بد من الاعتراف ابتداء بأن فقه العبادات، وجوانب من فقه المعاملات، اتسع عندنا اتساعاً أكثر من اللازم، وأن الاستبحار التشريعى فى أمور الطهارة والصلاة والحج والزكاة وما إلى ذلك كان أكثر مما يطيقه الفرد المسلم أو المجتمع المسلم، وقليل من هذا كان يكفى الناس.. لكن لا شك أن فى الأمة تخلفاً فى سياسة الحكم وسياسة المال».
صدق الشيخ، وبنفس الدرجة من الصراحة أقول: لولا أننا استوردنا من الخارج بعض آليات إقرار موازنة الدولة والرقابة عليها لكنا نعيش زمن ملوك المسلمين الذين نسمى أكثرهم مجاملة خلفاء حيث لا انفصال بين ميزانيتهم الشخصية وميزانية بيت المال، ولكان الواحد منا يقف عند قصورهم ينتظر العطايا. ولولا أننا اضطررنا إلى أن نستورد فكرة الأحزاب السياسية والبرلمانات المنتخبة والصحافة الحرة لكنا جميعاً، إلا الإمعات، ننتظر أن يقام علينا الحد بحكم الترويج للفتنة وتأليب الرأى العام لمجرد أننا نخالف الحاكم فى أمر ما.
ويشير الشيخ الغزالى إلى أن هناك ٢٥ كبيرة من الكبائر لم توضع لها عقوبات فى الفقه الإسلامى، بسبب انشغال العلماء فى عصور التخلف بما لا ينفع الناس، فى مثل عقوبات التعامل بالربا أو الغصب أو الفرار من الزحف أو أكل مال اليتيم أو الغش. بل أكثر من ذلك يقول الشيخ الغزالى: «حتى فى ميدان الأسرة.. احتبس الفقه فى حدود المذاهب الأربعة حتى جاء ابن تيمية واستطاع أن يصنع عملاً هائلاً عندما رفض طلاق البدعة.. وقوانين العمل والعمال لا تزال صفراً عندنا ونستوردها من الخارج.. القوانين الإدارية إلى الآن لا تزال أيضاً مجلوبة.
أظن أن الدين لم يزل المحرك الأهم للكثير من المصريين ولا أتصور إصلاحاً حقيقياً لأوضاع مصر دون إصلاح الشخصية المصرية والتعامل مع عيوبها الكثيرة والمتنوعة والمتشعبة، وهو ما لا يمكن إلا باستحضار المعنى الذى أشار إليه الدكتور أسامة الأزهرى بتحويل الكلمة إلى قيمة وتحويل القيمة إلى مؤسسة. وهو ما لا يتم إلا بمراجعة نقدية لتراثنا الفقهى والفكرى من قبَل علماء ثقات بعضهم من علماء الدين وبعضهم من أهل الاجتهاد فى العلوم الأخرى.
من حقنا أن نسأل؟ ومن واجبهم أن يساعدونا فى الإجابة.
سعدت بلقاء الدكتور أسامة الأزهرى، وأستفيد كلما استمعت إليه. وأسأل الله أن ينفعنا بعلم علماء الأزهر الشريف وأن يتكامل معه أخلاقياً الخطاب التربوى، والخطاب الإعلامى، والخطاب الثقافى.
البلد دى فيها حاجات كثيرة سليمة، بس لوحدها، أى غير متصلة بغيرها زى عربية سعيد صالح، وعلشان كده: «السيارة مش عم تمشى، بدها حدا يدفشها دفشة». يا رب يكون بيننا من يستطيع أن يقوم بهذه المهمة.