فن صناعة المصطلحات «الثورة» نموذجًا

فن صناعة المصطلحات: «الثورة» نموذجًا

فن صناعة المصطلحات: «الثورة» نموذجًا

 العرب اليوم -

فن صناعة المصطلحات «الثورة» نموذجًا

معتز بالله عبد الفتاح

كتبت من قبل عن أولئك الذين يظنون أن ثورات مصر بدعٌ من الثورات، وأن انقسام المصريين بدعٌ من الانقسامات، وأن تغير مواقف الناس قبل الثورات وأثناءها وبعدها وفقاً لما يتوافر لها من معلومات بدعٌ من التغيرات، لذا أريد أن أضع أمام أعين القراء الكرام ثلاث حقائق:

أولاً: لا أحد يقبل إطلاق لفظة «ثورة» على «انتفاضة شعبية» تقوم ضد نظام يؤيده، وإنما هو دائماً يشير إلى أنها كانت ناتجة عن مؤامرات، وأنها «انقلاب»، أو «سطو مسلح»، أو «سرقة بالإكراه» للدولة. أنصار الملك فاروق ظلوا حتى وفاة الرئيس عبدالناصر يصفون ما حدث بأنه انقلاب «البكباشى عبدالناصر»، وبعضهم كان يطالب بعودة الملكية إلى مصر. وأنصار الرئيس مبارك ظلوا رافضين لإطلاق كلمة «ثورة» على ما حدث فى 25 يناير، وكانوا يعتبرون أن «طنطاوى خان الأمانة»، وكان جورج الثالث، ملك إنجلترا يصف «جورج واشنطن» ورفاقه بأنهم «خونة مارقون يقودون حرباً أهلية انفصالية ضد المملكة البريطانية العظمى بدعم من الفرنسيين والإسبان». إذن، بعد الانتفاضة الشعبية سيكون هناك من سيسميها «ثورة»، وهناك من سيسميها «انقلاباً». عادى خالص وبتحصل فى أحسن المجتمعات.

ثانياً: كلمة «ثورة» ليست كلمة فنية متخصصة إلا عند الأكاديميين، وحتى هؤلاء بينهم تباين فى الأطر المعرفية الحاكمة لنظرياتهم. وفى الفضاء غير الأكاديمى فوضى المصطلحات أوضح؛ وتعالوا «نبص بصة» على حدثين تاريخيين وُصفا من قبَل من قاموا بهما بأنهما «ثورة»؛ الأولى فى الصين، والثانية فى البرتغال.

أما فى الصين، فما سُمى بـ«الثورة الثقافية»، فى أواخر الستينات، لم تبدأ كثورة شعبية أصلاً، ولكنها كانت دعوة من ماو تسى تونج، زعيم الحزب الشيوعى، لمؤيديه كى يتمردوا ضد معارضيه. ومنذ أغسطس 1966 تم تكوين مجموعات الحرس الأحمر بين طلبة الجامعات وتلاميذ المدارس بعرض الصين. تحرك الطلبة بسرعة من مهاجمة مدرسيهم، ومسئولى مدارسهم إلى مهاجمة البيروقراطية المحلية، وتحولت «الثورة» إلى إرهاب، ليشمل أهدافاً أوسع وأوسع، وأصبح أى شخص يشير إلى أى خطأ ارتكبه «ماو»، وكأنه عميل ومتآمر، وطابور خامس، وكادت الحرب الأهلية تندلع فى أجزاء كثيرة منها، وكانت هذه واحدة من أسوأ فترات الصين المعاصرة.

هنا تحولت كلمة «ثورة»، لتصبح توصيفاً إيجابياً تم توظيفه سياسياً وإعلامياً لعمل «شرير» عانت منه الصين طويلاً.

قفزة سريعة فى اتجاه البرتغال، حيث كانت كلمة «ثورة» توصيفاً إيجابياً لعمل «إيجابى» لم يبدأ كثورة، وإنما كانقلاب لم تكن له مقدمات شعبية حقيقية، وهذا هو المثال الواضح لثورة 1974 فى البرتغال، حيث توجد العديد من الدراسات الأكاديمية التى تشير إلى أن ما حدث «ثورة» ليست بحكم مشاركة الناس فيها من البداية، ولكنها بحكم مباركة الناس لها فى النهاية، مثلما حدث فى مصر مع «عبدالناصر» فى 1952. المهم، فى فجر يوم 25 أبريل 1974 قام رتل من عشر مدرعات خفيفة، و12 شاحنة باحتلال ساحة الوزارات فى لشبونة، عاصمة البرتغال. ولكن الناس، حزب الكنبة بتاعهم يعنى، استقبلوهم بالمواكب رغم النداءات الداعية إلى المكوث فى المنازل، وبعد 48 سنة من الحكم الفاشى، بعد انقلاب سالازار فى 1926، حدث «انقلاب 1974» بقيادة مجموعة من الضباط، لينتهى بالجنرال سبينولا حاكماً للبلاد، لكى يسقط النظام فى أيام معدودة، وخرج الآلاف يؤيدون «الانقلاب»، الذى تحول بفضل الدعم الشعبى إلى «ثورة» أصبحت تسمى «ثورة القرنفل».

ثالثاً: من حقائق الثورات أيضاً وجود «ناس متحولين»، يسميهم أعداؤهم بأنهم «متلونون» غالباً لأنها صفة فيهم يطلقونها على غيرهم، ذلك أن الثورات مسألة «ديناميكية» أى «متغيرة ومتحولة» ومواقف الناس منها كذلك. إحسان عبدالقدوس كان من أكثر مؤيدى ثورة 1952، ولكنه تحول إلى مهاجم لها بشراسة أيضاً بعد أن رأى نزعة الضباط الأحرار لقمع الحريات، وإلغاء الأحزاب، وتأميم الصحف. وتاريخ العالم مملوء بمن «تحولوا» من موقف إلى آخر وفقاً لمعطيات سياسية معينة. «توماس باين»، المؤيد للثورة الفرنسية فى بدايتها، الناقم عليها بعد أن تحول بعض أسمائها، مثل «روزبيير» و«لافاييت» إلى متاجرين بها، لم يكن فيلسوفاً انتهازياً، ولكنه رأى انحراف الثورة عن طريقها فتغير موقفه منها، وهو بالضبط ما حدث مع «تولستوى» بعد الثورة الشيوعية فى روسيا.

arabstoday

GMT 13:39 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

تقاتلوا

GMT 13:37 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

لبنان.. عودة الأمل وخروج من الأسر الإيراني

GMT 13:33 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

ليلى رستم نجمتنا المفضلة

GMT 13:31 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

ظاهرة إيجابية بين الأهلى والزمالك

GMT 13:28 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

سوريا بعد الأسد واستقبال الجديد

GMT 13:26 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

معضلة الدستور في سوريا

GMT 13:25 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

انتخابات النمسا وأوروبا الشعبوية

GMT 13:23 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

الموسوس السياسي... وعلاج ابن خلدون

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فن صناعة المصطلحات «الثورة» نموذجًا فن صناعة المصطلحات «الثورة» نموذجًا



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 04:11 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 16:20 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

ضربات أمريكية لمنشآت بمحافظة عمران اليمنية

GMT 15:00 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

الأهلى القطرى يعلن تجديد عقد الألمانى دراكسلر حتى 2028

GMT 14:49 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

الاحتلال يقتحم عدة بلدات في القدس المحتلة

GMT 02:00 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

حرائق ضخمة في لوس أنجلوس تجبر الآلاف على إخلاء منازلهم

GMT 14:26 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

"الخارجية الفلسطينية" تدين جريمة الاحتلال فى جنوب شرق طوباس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab