لماذا تنفجر الائتلافات والتكتلات والتحالفات

لماذا تنفجر الائتلافات والتكتلات والتحالفات؟

لماذا تنفجر الائتلافات والتكتلات والتحالفات؟

 العرب اليوم -

لماذا تنفجر الائتلافات والتكتلات والتحالفات

معتز بالله عبد الفتاح

هل هى مصادفة أن يزيد انقسام العرب بهذه الدرجة على أنفسهم؟ هل هى مصادفة أن يحدث هذا الانقسام بين فتح وحماس ويهود العالم وحلفاؤهم يزدادون وحدة فى مواجهتنا؟ وحتى على المستوى المحلى، وحتى قبل ٢٥ يناير ٢٠١١، هل كانت مصادفة أن تنقسم حركة كفاية فى مصر على نفسها؟ هل هى مصادفة أن يتم إطلاق النار من بعض الوفديين ضد بعض الوفديين فى مقر حزب الوفد الليبرالى؟ وها نحن نواجه تساؤلات جادة بشأن مدى إمكانية تكوين تحالف أو ائتلاف أو تكتل فى البرلمان المقبل؟ إذن من الممكن أن نتفق على وجود هذا الخلل على مستويات متنوعة من الفشل فى العمل الجماعى، وهى معضلة اعتنى بها علماء كثيرون وكُتبت فيها مؤلفات متعددة فى علوم الاجتماع والسياسة وإدارة الأعمال لخطورتها على مستقبل المجتمع والدولة والشركات.

يمكن من حيث المبدأ رصد ثلاثة مداخل مهمة لفهم ماذا يحدث لنا:

1- مدخل نفسى سيكولوجى: ينظر لفشل العمل الجماعى بعين العوار الوارد على بعض الأشخاص الذين يعانون فقراً فى الإحساس بالأمان الذاتى والرغبة الشديدة فى الزعامة والسيطرة، واعتبار أن جلوسهم على مواقع السلطة والسيطرة على مفاتيح التنظيمات التى يشغلونها يشبع غريزة تحقيق الذات، وهى غريزة لا تقل فى سطوتها عن غريزة الطعام والشراب كما ذهب (Harold Lasswell) الذى رصد فى مؤلفاته عشرات الأمثلة لأشخاص كانوا بلا حيثية أو مكانة اجتماعية فكان قرارهم بأن يصلوا إلى موقع الزعامة والسيطرة وإلا فسيعملون على تدمير التنظيم من داخله بمنطقنا الشعبى القائل «إما فيها أو أخفيها». وهناك ثلاثة مظاهر لشعور البعض بعدم الأمان الذاتى والرغبة فى تدمير أى عمل جماعى لا يكونون على قمته:

أولاً: يرفض هؤلاء أن يُمدح شخصٌ لإنجاز حققه لأنهم يعتبرون أن نجاح أى شخص أو تنظيم إهانة مباشرة لهم، لأنهم يعيشون بمنطق «الناجح الأوحد».

ثانياً: الرغبة فى أن يكون فى كل المناصب وكل اللجان وكل الوظائف فى كل الوقت بل ويتفاخر بتعدد الألقاب والمناصب لما تشبعه فى الشخص من نهم للسلطة والشعور بالقدرة على التحكم فى مصائر الآخرين.

وثالثاً: هناك الرفض الشديد لتفويض الآخرين فى القيام بمهام يمكن أن يكون لها عائد لا يمكن أن ينسب للشخص الباحث عن السلطة والسيطرة، والسعى الشديد لتحميل الآخرين مسئولية أخطائه هو، فهو دائماً يسعى لأن يكون النجاح منسوباً له ويكون الفشل منسوباً للآخرين، فلا يستقيل عن منصب تولاه نتيجة شعور ذاتى بالخطأ وإنما مدفوعاً بقوة أكبر منه.

2- مدخل اجتماعى سوسيولوجى: تفكك تنظيماتنا الاجتماعية والسياسية من وجهة نظر علم الاجتماع يرتبط مباشرة بظاهرة التفكك الاجتماعى، التى ناقشها ابن خلدون حين تحدث عن «العصبية الاجتماعية» كمصدر للقوة والغلبة والتمكن.

وهو نفس المفهوم الذى تبناه إميل دور كايم حين ناقش نوعين من التماسك بين البشر فى جماعات ومجتمعات:

التماسك التلقائى أو الفطرى القائم على علاقات غير اختيارية، مثل تماسك وتضامن أبناء الأسرة أو القبيلة الواحدة الذى يسيطر على المجتمعات التى لم تشهد تطوراً كبيراً ولا تشعباً وتعقيداً لمنظومة المكانات الاجتماعية والوظائف والمهن والمؤسسات، والتماسك العضوى أو المؤسسى المبنى على المصلحة المشتركة وتقاسم الأدوار (العضوى) وهو تماسك يتطور بتطور المجتمعات وتعدد مؤسساتها ومختلف مكوناتها، حيث يجتمع الأفراد لا حول الروابط الدموية أو الجيرة فحسب، وإنما حول الأيديولوجيات (أحزاب، نقابات على سبيل المثال)، والاختصاصات، والمهن، والقضايا المتعددة التى تتكاثر بفعل التطور اللانهائى للمجتمعات العصرية.

والحقيقة أن أى مجتمع ناجح يجمع بالضرورة بين نوعى التماسك المشار إليهما، ومن هنا، مثلا، جاء التوجيه القرآنى فى أطول آية من آى القرآن الكريم ومن آخر ما نزل من القرآن (الآية 282 من سورة البقرة) بكتابة الدين (أى عقود الديون والتجارة وغيرهما) بأدق تفاصيل ممكنة ومهما كانت ظروف الدائن والمدين وهى آية مفتاحية، لأنها تعلم المسلمين توثيق عهودهم وعقودهم وعلاقاتهم ومدايناتهم بالكتابة والإشهاد وهو ما لا تستقيم بغيره حياة اجتماعية سليمة، وهو نفس القرآن الكريم الذى حث المسلمين على التضامن الفطرى والتلقائى من خلال حثه لنا ألا ننسى الفضل بيننا وتذكيرنا بأنه من تطوع خيراً فهو خيرٌ له، والعطف على الفقير والمسكين واليتيم وعابر السبيل وكل ذى حاجة.

المشكلة فى مصر ومنطقتنا العربية أن التماسك التلقائى تراجع بشدة، فى حين أن التماسك العضوى أو المؤسسى لم يحل محله، فهناك تراجع كبير فى رأسمالنا التلقائى القائم على القيم التقليدية، حيث ينحسر احترام الكبير والعطف على الصغير ومعرفة حق العالم على المتعلم (أى صور التماسك التلقائى) وفى نفس الوقت لا نشهد زيادة فى رأسمالنا المؤسسى، حيث يتراجع احترام القانون وأخلاقيات المهنة وأصول العمل المؤسسى (سواء فى الجامعة أو النقابة أو الحزب)، فلا عدنا كما كنا فى الماضى ولا صرنا إلى ما ذهب إليه أبناء الحضارات الأخرى.

3- مدخل سياسى أيديولوجى: غياب الأطر المؤسسية لتحديد من يحصل على ماذا ومتى وكيف ولماذا، فينتهى الأمر بمغالبة ميكيافيلية بلا ضوابط مسبقة، وإنما اقتلاع شخص لآخر أو شلة لأخرى، وهذه واحدة من فضائل دولة القانون سواء وجدت فى نظم ديمقراطية أو غير ديمقراطية، حيث توجد قواعد مؤسسية حاكمة للجميع تجعلنا مهما اختلفنا نعمل فى إطار من القانون والبحث عن الحلول الوسط، حتى لا تنفجر التنظيمات بما يعود بالسلب على الجميع، فبدلاً من تقاسم النجاح نتنافس فى توزيع الفشل وإلقاء اللوم على الآخرين، وهى مسألة لا يولد الإنسان بها وإنما هى تُكتسب كمهارات القراءة والكتابة والحساب، ولهذا حرصت المجتمعات الأكثر تقدماً على أن تدرب النشء فيها على هذه القيم منذ دخولهم المدرسة، فيتعلم التلاميذ فى المدارس كيف يتخذون قراراتهم بالتشاور وتحديد البدائل، والسعى للجمع بين البدائل المتعارضة فى بدائل مستحدثة تجمع أكثر من بديل فى صورة حلول وسط، ثم التصويت واحترام قرار الأغلبية بل ومعاقبة من يخرج على هذه التقاليد الديمقراطية، هنا يتدرب التلاميذ على كيفية الحياة فى ظل تنظيمات لا يمكن لهم أن يسيطروا عليها، وإنما عليهم أن يتعايشوا فى ظلها، وقطعاً هذه تقاليد ليست مصرية أو عربية، إلا فيما ندر.

ورغماً عن أن ظاهرة انفجار التنظيمات من الداخل تعود إلى تاريخ طويل، لكن الأمور اتجهت نحو الأسوأ فى ظل التقاليد التى تربى فيها مواطنو وسياسيو مصر المعاصرون وما رسخته من قيم التزلف للسلطة ومداهنة القائمين على شئونها ونعت المخالفين بصفات الرجعية والتخلف واعتبار مخالفتهم فى الرأى مساساً بكرامتهم، وهو ما نلمسه فى سياسيين يدعون للديمقراطية وهم أمثلة صارخة فى الاستبداد على المستوى الأسرى والمهنى والسياسى، إن مستقبلنا يمكن أن نقرأه من حاضرنا كما أن حاضرنا يمكن فهمه من ماضينا.

arabstoday

GMT 07:17 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 07:13 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 07:11 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 07:08 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 07:05 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 07:03 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 07:00 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 06:58 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الصراع الطبقي في بريطانيا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا تنفجر الائتلافات والتكتلات والتحالفات لماذا تنفجر الائتلافات والتكتلات والتحالفات



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab