هل تفوقت تونس على مصر

هل تفوقت تونس على مصر؟

هل تفوقت تونس على مصر؟

 العرب اليوم -

هل تفوقت تونس على مصر

معتز بالله عبد الفتاح

سؤال يفرض نفسه على المتابع للشأن العربى. وكمعظم القضايا المركبة فإن المسألة تحتاج إلى معيار للحكم يأخذ فى اعتباره تعدد الأبعاد والاختلافات الجوهرية بين دولة بحجم مصر وأخرى عدد سكانها نصف عدد سكان عاصمة الأولى.

كما أن الدور التاريخى للجيش المصرى وبروزه دائماً على مسرح الأحداث حين يكون هناك تهديد للأمن القومى يوفر فرصاً ويضع تحديات ليست موجودة فى حالة أشقائنا فى تونس حيث الحدود نسبياً هادئة والتهديدات الخارجية العسكرية تكاد تكون مفهوماً غير موجود فى القاموس السياسى التونسى. تونس نجحت مرحلياً فيما كان يسميه دارسو العلوم السياسية فى التسعينات «دمج المحافظين دينياً» (أى الإسلاماسيين من أنصار الإسلام السياسى) فى العملية السياسية. وكانت الفكرة الأساسية لهذا الدمج قائمة على ثلاثة افتراضات:

الافتراض الأول أن الدولة التسلطية اتخذت من المحافظين دينياً فزاعة ضد كل من يطالبها بالتحول الديمقراطى واحترام حقوق الإنسان.

الافتراض الثانى أن الدولة التسلطية العربية وهى تتحول ديمقراطياً ستفرض شروطها على الجميع حتى يقبلوا بالمشاركة فى الحياة السياسية وفقاً لمعايير الدولة الوطنية. بعبارة أخرى: «تمصير الإخوان» وليس «أخونة مصر»، أى يكون الإخوان جزءاً من مصر وليست مصر جزءاً من الإخوان. ولكن المعضلة أن الدولة فى أعقاب ثورات 2011 واجهت تحدياً وجودياً وأصبحت أضعف من بعض مكوناتها، لاسيما المكون المحافظ دينياً مدعوماً ببعض مَن أصابتهم المراهقة الثورية فرأوا أن الحل هو تدمير مؤسسات الدولة على اعتبار أن الشرطة شرطة مبارك والجيش جيش مبارك والشعب شعب مبارك ومصر مصر مبارك ونبدأ من أول وجديد.

الافتراض الثالث هو التأثير الاعتدالى للديمقراطية، وهى نظرية انطبقت على كثير من خلق الله، وكان الأمل أن تنطبق على المتشددين فى مصر بمن فيهم المتشددون دينياً وسياسياً. والفكرة لها جذور منذ أن قال بها «جيوفانى سارتورى» (SARTORI)، أحد منظرى الديمقراطية. وخلاصتها أن المتشددين حين ينخرطون فى العلمية الديمقراطية فى ظل قواعد دستورية وسياسية ملزمة لهم فإنهم يضطرون لاحترامها. وهذا ما انطبق على أحزاب متطرفة مثل «بهاراتيا جاناتا» الهندى، والأحزاب الشيوعية التى تحولت إلى أحزاب اشتراكية وأحزاب يسار الوسط فى أمريكا اللاتينية، والحركات الانفصالية التى قبلت بآليات تقاسم السلطة فى الكثير من دول أفريقيا جنوب الصحراء.

وصل الإخوان إلى السلطة فى مصر، وكانت أمامهم فرصة ذهبية لإثبات صحة كلام «سارتورى» والأهم لإثبات أنهم جديرون بأن يكونوا جزءاً من حياة ديمقراطية سليمة ولكنهم، كما خاطبتهم مباشرة: «تلعبون بالنار وأنتم لستم ماهرين» وفى النهاية كانوا مثل من ظل يطالب بأن يقود السيارة لمدة 80 عاماً ولكنه نسى أن يتعلم القيادة. ورغماً عن أنهم أبدوا نضجاً قصير المدى فى البداية حين رفضوا ترشيح رئيس للجمهورية وأعلنوا عن منافسة محدودة فى مجلس الشعب، ولكن غلبت عليهم شقوتهم، وأضاعوا الثورة وأضاعوا الديمقراطية وأضاعوا جماعتهم وكادوا أن يضيعوا المجتمع والدولة.

كان إخوان تونس أكثر مهارة من البداية فى فهم طبيعة التحديات وفى الالتزام بهذا الفهم، فقبلوا أن يكونوا جزءاً من «ترويكا» حاكمة وأن يكون الرئيس من اليسار العلمانى، والتزموا فى تونس بما وعد به إخوان مصر المصريين فى البداية. ورغم تشددهم فى بعض المراحل، فإنهم تعلموا بسرعة من غباء وغطرسة نظرائهم فى مصر، فقدموا التنازلات الملائمة من وجهة نظرهم حتى لا يثور ضدهم بقية الشعب.

إخوان تونس الآن أمام الاختبار الثانى للديمقراطية وهو قبول نتائج انتخابات حلوا فيها ثانياً.

حالة مصر أكثر دموية، مع الأسف، ولكنها مثل «خلع ضرس من غير بنج». الألم شديد وسيزداد دموية كلما اقتربنا من استحقاقات انتخابية وسياسية تتقطع فيها الروابط العصبية بين الجماعة والمجتمع السياسى فى مصر.

فى حالة مصر، هى عملية جراحية مؤلمة جداً، ولست متأكداً من مهارة من يجريها، لكنها ثمن قرر المتطرفون أن ندفعه جميعاً.

كل التوفيق لأشقائنا فى تونس.

arabstoday

GMT 07:02 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

ترتيبات استقبال الإمبراطور العائد

GMT 06:59 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

هل مسلحو سوريا سلفيون؟

GMT 06:58 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أزمة الغرب الخانقة تحيي استثماراته في الشرق الأوسط!

GMT 06:58 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

القرضاوي... خطر العبور في الزحام!

GMT 06:56 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

مخاطر الهزل في توقيت لبناني مصيري

GMT 06:55 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

لعنة الملكة كليوباترا

GMT 06:54 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

الحرب على غزة وخطة اليوم التالي

GMT 06:53 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

نحن نريد «سايكس ــ بيكو»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل تفوقت تونس على مصر هل تفوقت تونس على مصر



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 15:26 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025
 العرب اليوم - أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025

GMT 04:11 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 16:20 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

ضربات أمريكية لمنشآت بمحافظة عمران اليمنية

GMT 15:00 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

الأهلى القطرى يعلن تجديد عقد الألمانى دراكسلر حتى 2028

GMT 14:49 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

الاحتلال يقتحم عدة بلدات في القدس المحتلة

GMT 02:00 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

حرائق ضخمة في لوس أنجلوس تجبر الآلاف على إخلاء منازلهم

GMT 14:26 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

"الخارجية الفلسطينية" تدين جريمة الاحتلال فى جنوب شرق طوباس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab