معتز بالله عبد الفتاح
ليس المقصود من مقالاتى السابقة فى هذا العمود عن إيران وتركيا وإسرائيل وإثيوبيا أن نستسلم لها، ولكن توضيح حجم التحدى المطروح وحجم الاستجابة المطلوبة.
كتب الأستاذ عبدالرحمن الراشد فى «الشرق الأوسط» مقالاً يقارن فيه بين قدرات إيران وقدرات دول الخليج، يقول صاحب المقال إن إيران ليست البديل عن الخليج فى المعادلة الدولية.
إيران تنتج من النفط ثلاثة ملايين برميل فى اليوم مقابل 15 مليون برميل يومياً إنتاج جاراتها الأربع، وقدراتها الإنتاجية متهالكة بسبب الحصار التقنى والاقتصادى، وستحتاج إلى أكثر من عشر سنوات حتى تصلحها وتضاعف إنتاجها! تقدير خبراء البترول أن إنتاجها، فى عام 2020، وبعد تطوير إمكانياتها، سيزيد مليوناً فقط، أى سيصبح أربعة ملايين برميل، هذه أرقام حقيقية فى حساب العلاقات الدولية ولا يفترض أن ننشغل بقراءة أخبار رحلات رجال الأعمال عن شركات السلاح والنفط والصناعة والبنوك لعقد صفقات ثمينة مع إيران استباقاً للانفتاح الموعود. بالنسبة لهم، إيران سوق إضافية وليست بديلة، ولن تكون المتاجرة معها بهذه السهولة بسبب مركزية الحكومة، وصراع مؤسسات الحكم على مداخيل البلاد، فالحرس الثورى، مثلاً، سعى للسيطرة على قطاعات إنتاج مهمة بما فيها المصافى البترولية، والنظام لا يزال ينظر بعين الريبة إلى الاتفاق، مثل دول الخليج، طبعاً لسبب معاكس، ففى طهران هناك من يتوجس من أن الاتفاق مؤامرة غربية لتغيير النظام من الداخل، وحكومة إيران، مثل دول الخليج، تعيش بنسبة ثمانين فى المائة على مداخيلها من مبيعات النفط، وليس من صناعاتها أو زراعاتها!
وهناك مَن صوّر المائة وخمسين مليار دولار، التى ستحصل عليها نتيجة الاتفاق، كأنها كنز سيغير وجه إيران، أولاً، هى ليست مكافأة، بل أموال إيرانية كانت محجوزة ضمن العقوبات، ورفض الغرب إرجاعها إلا عندما يقبل الإيرانيون بالتفاوض نووياً، وهذا ما حصل. ثانياً، المبلغ ليس ضخماً، فإيران تعانى من عجز وفقر مادى، ولديها بنية تحتية متآكلة نتيجة الحصار الطويل، تتطلب أموالاً أكبر من المبلغ المسترد. حتى طائراتها المدنية، نصفها لم يعد صالحاً للطيران، كما صرح أمس الأول مدير «إيران إير» وقال إنهم ينوون شراء مائة طائرة جديدة.
مهما انتقدنا الاتفاق، الحقيقة أن الغرب به ركع إيران، ودول الخليج لن تخسر، بل ستكسب لأنه يقيد الخطر النووى. ولو صدقت توقعات الرئيس الأمريكى باراك أوباما بأن إيران ستتغير بفعل الاتفاق، فهو، أيضاً، فى صالح دول الخليج، والمنطقة، والعالم، أن تتحول طهران إلى نظام مسالم. ما نراه حولنا دعاية إيرانية ضخمة تصور التراجع انتصاراً. رقص حكومة «روحانى» وحلفائها فرحاً لإقناع الجمهور الإيرانى، والموالى له، بأن إيران انتصرت فى معركة الخمسة والثلاثين عاماً ضد الغرب، وهذا ليس صحيحاً حتى الآن، النظام فاوض وجمد ووقع لأنه يحاول أن ينجو من مصير الدول المماثلة له، لقد عوقبت ليبيا اقتصادياً فتآكل نظام «القذافى» وتهاوى مع أول انتفاضة ضده، وعوقبت سوريا اقتصادياً حتى ضعفت وتقزم النظام فى مواجهة الربيع العربى، وسبقه نظام صدام العراق، حيث استسلمت بغداد فى أسبوع واحد، ولا ننسى الاتحاد السوفيتى، الذى بسبب الحصار أنهك حتى سقط، وتفكك إلى إحدى عشرة جمهورية عام 1991. ومع أن الحكومة الأمريكية استعجلت، وكان بإمكانها الحصول على تنازلات أفضل، إلا أن الاتفاق بذاته انحناءة بزاوية تسعين درجة من نظام طهران، الذى كان يرفض تماماً، فى الماضى القريب، أى إيقاف أو تجميد أو اشتراطات على مشروعه النووى، وكان يعتبرها خيانة فى حق الأمة. النظام أنفق مليارات الدولارات على برنامجه النووى الذى كلفه أكثر، لأنه يعمل ويتعامل بالسرية، وخسر بسبب عقوبات عليه فرصاً اقتصادية ومالية رهيبة، وتدهور اقتصاده فى عملته قبل عامين، حتى صار الدولار حالياً يعادل 25 ألف ريال إيرانى!
نحن نعتقد أن واشنطن كان بإمكانها الانتظار حتى تحصل على اتفاق يعطل سياستها العدوانية وليس برنامجها النووى فقط، ومن الواضح أن طهران كانت مستعدة لو استمر الضغط عليها، إلا أن البيت الأبيض مستعجل فى الحصول على اتفاق يعتقد أنه يفى بالمطلوب، وأنه قادر على تغيير سلوك إيران لاحقاً. إيران أقوى منا فقط حين نكون منقسمين على أنفسنا، وهذا لا يزال حالنا، مع الأسف.