«السامرى» الذى بداخلنا

«السامرى» الذى بداخلنا

«السامرى» الذى بداخلنا

 العرب اليوم -

«السامرى» الذى بداخلنا

معتز بالله عبد الفتاح

العقل البشرى لديه قدرة هائلة على خداع النفس، ومن تخدعه نفسه يكون قادراً على خداع الآخرين، لأنه يظن فى نفسه الصدق، ويتصرّف بدافع من يقينه بأنه صاحب قضية عادلة.

لكن حين يصل إلى النتيجة النهائية التى قال بها «السامرى» بعد أن تركه سيدنا موسى، عليه السلام، لمناجاة ربه، فلما عاد سأله: «قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِىُّ»، فرد السامرى الذى كان قد صنع عجلاً ليعبده بنو إسرائيل قائلاً: «قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ، فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِى نَفْسِى».

كتبت من قبل عن قصة للخليفة عمر بن عبدالعزيز الذى بلغه أن ابنه اشترى خاتماً بألف درهم، فأرسل إليه خطاباً قال فيه: «إذا جاءك خطابى هذا فبع الخاتم وأطعم بثمنه ألف فقير، واشتر خاتماً من حديد واكتب عليه: رحم الله امرأً عرف قدر نفسه».

وقد جاء شاب محدود القدرات ولا يخلو من غطرسة إلى «وينستون تشرشل» وقد كان رئيساً لحزب المحافظين، فوجّه إليه انتقادات حادة، وأعلن بوضوح أنه قرر أن يصبح فى يوم من الأيام رئيساً لوزراء بريطانيا، فسأله «تشرشل» عدة أسئلة أثبتت بتفصيلاتها أن الشاب يجيد القدرة على الحلم وانتقاد الآخرين ولا يجيد القدرة على العمل وانتقاد الذات، فقال «تشرشل» مقولة شائعة فى السخرية من محدودى الموهبة، رغماً عن أن الكثيرين لا يعلمون أصلها، وهو «إنه شاب متواضع، ولديه الكثير من الأسباب لكى يكون أكثر تواضعاً».

ودلالة القصتين تأتى من تحليل طرق عمل العقل البشرى، وكيف أن العقل يمكن أن يُشقى صاحبه حين لا يعرف قدر نفسه، فتكون الفجوة هائلة بين طموحه (وربما طمعه) وإمكاناته (وربما ما يتصورها إمكاناته)، لكن هذه الفجوة نفسها لها درجات، وهى فى أكثر درجاتها اتساعاً تجعل الإنسان يظن فى نفسه أنه المهدى المنتظر مثلاً، بل إن الحروب المهدية فى السودان فى ثمانينات القرن التاسع عشر نفسها بدأت بحلم الشيخ «محمد أحمد» الذى ظن فى نفسه «المهدى». والحلم، أو الرؤيا، التى جاءته فى المنام، حسبما يقول المؤرخون، أنه سيكون المهدى المنتظر الذى سيملأ الكون عدلاً وخيراً بدءاً من «البقعة المباركة»، كما كان يصفها، وهى «أم درمان». وفجأة صعدت روحه إلى السماء بعد أربعة أعوام فقط من «الحلم» وسط دهشة أنصاره المجاهدين وعامتهم من الذين ينتظرون إتمام بقية الحلم المهدوى: صلاته فى مكة والقدس وإسطنبول، وأن يملكوا الدنيا ويخضعوا جميع الأمم، ويشيع المهدى العدل ويحثو المال حثواً ويقيم الدين الحق، بأن يعيد الدنيا إلى الآخرة كما بشرته الحضرة. ومات الرجل، وظل الحلم حلماً.

هل نخطئ حين نحلم ونتمنى؟ الإجابة يقيناً لا. لكن من الملاحظ أن قدرة البعض على الحلم تكون أعلى من قدرتهم على الفعل؛ لذا فلنتأكد من أن أحلامنا ليست سبباً لشقائنا وشقاء المحيطين بنا ممن ننال من حقوقهم، ونحن نظن أننا نحسن صنعاً، ولنجتهد أضعاف أحلامنا، ولنتقبّل ضربات القدر بعقل وقلب المؤمن أن للكون خالقاً هو صاحبه والمدبر لأمره، والبشر ضيوفه وليسوا أصحاب بيت.

يصادف فى نفسى هوى بعض الشعر الصوفى من قبيل:

«يا ربنا ليس لنا من أمرنا إلا السكوت، يا ليتنا نرضى بما يعطى لنا حتى نموت، والمبتلى يا ذا العلى لا يبتغى إلا النجاة، فى يسرها وعسرها ملعونة تلك الحياة، نبينا إمامنا به نقتدى وبه نهتدى ورضاه من رضا الإله». وكذا قول أحد القساوسة: «نرضى بالمر الذى يختاره الله لنا، أكثر من حبنا للحلو الذى نختاره بأنفسنا».

وقال القرآن العظيم: «سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا»، وهذا حالنا بإذن الله. أياً ما كان، فالتوازن مطلوب. ومن التوازن ألا نظن فى أى شخص يحسن الكلام أنه سيُحسن بالضرورة النهوض بالتبعة، وألا يقع المرء فريسة سهلة لما يقوله الآخرون عنه، سواء كان مدحاً أو قدحاً، فأغلب الناس إن يظنون إلا ظناً وما هم بمستيقنين. ويضاف إلى كل ذلك ألا نسمح لأنفسنا بأن نجعل من وطننا رهينة لتحقيق طموحاتنا الشخصية.

إذن: «رحم الله امرأً عرف قدر نفسه»، وإلا: «وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِى نَفْسِى».

أتذكر هذا الكلام كلما غرتنى نفسى وخدعنى عقلى.

arabstoday

GMT 06:33 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

الجميلات؟!

GMT 06:27 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان!

GMT 06:10 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

تحالفان ومرحلة جديدة

GMT 06:08 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

من أفسد العالم؟

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

ليس آيزنهاور

GMT 06:49 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

والآن الهزيمة!

GMT 06:47 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية تأخر قيام دولة فلسطينية

GMT 06:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

... عن «الممانعة» و«الممانعة المضادّة»!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«السامرى» الذى بداخلنا «السامرى» الذى بداخلنا



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 06:06 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

راجعين يا هوى

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab