السودان في خظر دائم

السودان في خظر دائم

السودان في خظر دائم

 العرب اليوم -

السودان في خظر دائم

معتز بالله عبد الفتاح

السودان يواجه تحديات مهولة، وأى هزة سياسية قد تكون لها نتائج وخيمة. كتب الأستاذ حيدر إبراهيم على مقالاً مهماً فى جريدة «القدس» عن سؤال: لماذا لم تصل عواصف ما يُسمى مجازاً بـ«الربيع العربى»، ذلك القطر الجنوبى الصاخب: السودان؟ رغم أن السودان كان وما زال يموج بالصراعات والغضب، فقد ظل ساكناً. فاحتار المراقبون فى تفسير ذلك الصمت المريب.

ووجد البعض التفسير فى فكرة الاستثناء، لكنهم اختلفوا حول لماذا يكون السودان استثناءً؟ ومن ناحية أخرى، كان من الطبيعى أن يحاول النظام تجيير عدم الحراك الشعبى فى السودان لصالحه، واعتباره دليلاً على الرضا وقبول النظام. ويروّج لفكرة اختلاف الظروف فى السودان، وأنه لا يعانى من غياب الديمقراطية والفساد، مثل الدول التى انتفضت شعوبها. ووصل الأمر بالنظام إلى درجة ترديد إعلامه القول إن ربيع السودان جاء مبكراً مع انقلاب النظام الحالى، أى منذ صيف 1989.

ومن الخطأ فهم عدم الحراك من خلال اختلاف الأوضاع السياسية السودانية أو أنها أفضل. لكن يعود الهدوء الظاهرى إلى طبيعة الشخصية السودانية التى تميل إلى الحلول الوسط أكثر من المواجهات والحسم السريع. حقيقة لم يشهد السودان حروب الشوارع والقصف مثل سوريا واليمن وليبيا، لكن كما يقال: «من لم يمت بالسيف مات بغيره». فالسودانيون فى كثير من المناطق يموتون بغيره، فهم يعانون من نقص الغذاء أو المجاعة، والأوبئة وغياب العناية الصحية، والنزاعات القبلية. وتحوّلت البلاد إلى حكم دولة فاشلة، إذ يعيش السودان نزيفاً مستمراً فى موارده الاقتصادية والبشرية. فقد فقدت الدولة سيطرتها على كامل ترابها الوطنى، وتراجعت عن تقديم الخدمات الأساسية المتوقعة منها مثل الصحة والتعليم.

لم تحظَ التجربة السودانية خلال ربع القرن الماضى للأسف، بالاهتمام العربى المستحق. وقد يعود ذلك إلى كون السودان قطراً هامشياً، كما أن تفاصيله شديدة التعقيد. رغم أن التجربة شهدت أولى بروفات تقسيم العالم العربى مع انفصال الجنوب عام 2011. وهو للمفارقة عام انطلاقة الانتفاضات الشعبية العربية. فقد استولت الحركة الإسلامية السودانية على السلطة عن طريق الانقلاب العسكرى فى 30 يونيو 1989. وبعد فترة قصيرة من التقية، أعلن الانقلابيون عن أول «مشروع حضارى إسلامى» فى بلد سنى. ولأن الإسلامويين كانوا أقلية شعبياً، فقد حصلوا فى آخر انتخابات (1986) على نسبة حوالى 5% من الأصوات فقط، رغم المقاعد التى منحتها لهم دوائر الخريجين. وقد فرض عليهم ذلك الشعور الأقلى، ضرورة ابتكار وسائل ناجعة لتأمين السلطة. وقد استوجب ذلك التركيز الكامل على الأجهزة الأمنية، بل صارت هى التى تحكم فعلياً لعدم وجود حزب قوى. وكان من أولويات خطة ما سمى لاحقاً بالتمكين، إبعاد كل المعارضين أو المعارضين المحتملين من جهاز الخدمة، ثم فتح باب الهجرة لكل من يرغب فى الخروج من الوطن. وهذا يعنى إفراغ البلاد من الكوادر المهنية، وفى الوقت نفسه من الناشطين نقابياً وسياسياً. فقد كان الانقلابيون يعملون على تأسيس مجتمع جديد تماماً، تطبيقاً لشعارهم: «إعادة صياغة الإنسان السودانى». وأنشئت وزارة سُميت «وزارة التخطيط الاجتماعى» تعمل على تحقيق ذلك الهدف من خلال الإعلام والثقافة والدين والتعليم، كما يظهر من أقسامها المتعددة. وشرعت الدولة -بالفعل- فى خلخلة كل ثوابت المجتمع السودانى الثقافية والقيمية والأخلاقية. ثم أكملت الأزمة الاقتصادية تحطيم ما تبقى.

نجحت السلطة الجديدة فى القيام بأخطر وأصعب مهمة فى تاريخ السودان المعاصر. فقد تم اجتثاث النخب الحديثة التى ظلت تتكون منذ مطلع القرن الماضى، بدعوى أنها نبت استعمارى. وقطع النظام بسياساته وإجراءاته الأمنية والإدارية، الطريق أمام التطور التحديثى الذى كان السودانيون يتوقون إلى تأسيسه بعد الاستقلال.

سجل النظام الإسلاموى سريعاً إنجازاً كبيراً يصب فى عملية التمكين وتأمين السلطة السياسية وحمايتها من الانتفاضات الشعبية. فقد حوّل المجتمع السودانى المعروف بحيويته وتسييسه المبهر إلى مجتمع فاشل، فقد تم تسريحه سياسياً. وبالتالى نجد أنفسنا فى حالة استثنائية فعلاً، شعب يعيش تحت وطأة دولة فاشلة ومجتمع فاشل أيضاً. فقد عجز المجتمع السودانى عن إعادة إنتاج معارضة سياسية موحدة وديناميكية قادرة على تعبئة الجماهير وإنزالها إلى الشارع.

arabstoday

GMT 07:17 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 07:13 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 07:11 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 07:08 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 07:05 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 07:03 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 07:00 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 06:58 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الصراع الطبقي في بريطانيا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السودان في خظر دائم السودان في خظر دائم



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab