بعض الساسة والسادية السياسية

بعض الساسة والسادية السياسية

بعض الساسة والسادية السياسية

 العرب اليوم -

بعض الساسة والسادية السياسية

معتز بالله عبد الفتاح

أتذكر حواراً دار بينى وبين أحد شباب الثورة فى منتصف 2011 عن علاقة شباب الثورة النشطين بوزارة الداخلية وخوفى عليهم من أنهم يعرضون أنفسهم لمخاطر شديدة وبنتائج محدودة لا تتفق مع كم التضحيات. وكان ذلك مباشرة بعد حادثة مسرح البالون، وقد كان حظى أننى نزلت لمتابعة الموقف ميدانياً، فأصابنى الغاز المسيل للدموع فى مقتل لدرجة جعلتنى أصاب بحساسية فى صدرى لم أزل أعانى من بعض آثارها حتى الآن.

وحين التقيت وزير الداخلية بعدها، قال لى: «وإيه اللى نزّلك؟». الحقيقة، اغتظت من الرد، ولكن ظل عندى سؤال يحيرنى وهو كيف يفكر ضباط وجنود الداخلية والجيش حين تصدر إليهم أوامر بالاشتباك مع متظاهرين، لا سيما مع رد الوزير بأنه من الصعب السيطرة على الجنود وقت الاشتباك.

التقيت مع العديد من الضباط والمجندين، وأحياناً كانت النقاشات مطولة لدرجة كشفت عندى الكثير من تعقيدات النفس الإنسانية. وتذكرت آنذاك تجربة شهيرة لعالم نفس أمريكى اسمه ستانلى مليجرام تكتشف أن البشر لديهم قدرة مكبوتة لإطاعة السلطة حتى فى مجالات وأمور ما كانوا ليقبلوها فى الظروف العادية. بل إن بعض الدراسات الأحدث اكتشفت أن السلطة يمكن أن تولد عند الإنسان نزعة نحو الإضرار بالآخرين مادياً ومعنوياً (السادية) تحت مزاعم الحرص على الصالح العام.

والمثير فى التجربة طريقة إجرائها، حيث يكون هناك ثلاثة أطراف: الشخص المشرف على التجربة وهو الذى يعطى التوجيهات ممثلاً للسلطة، وشخص يتلقى التوجيهات وهو هنا يمثل الإنسان العادى الذى تجرى عليه التجربة، وشخص ثالث يمثل دور مواطن يجيب عن الأسئلة وحين يخطئ يعاقب بجرعة من الكهرباء التى تدخل جسده. وهذا الشخص الأخير يتظاهر بالألم.

والغريب أن الإنسان الذى تُجرى عليه التجربة يتعرض لصاعقة كهربائية مبدئية ليتعرف على نوع الألم الذى سيصيب به الشخص الذى يخطئ فى الإجابة عن الأسئلة. وفى كل الحالات يقول الشخص الذى يتعرض للألم إن أخطأ إنه عنده بعض المشاكل الصحية فى القلب كتحذير للشخص السائل حتى لا يبالغ فى تعذيب غيره.

ماذا كانت النتيجة؟

نزع أكثر من ثلثى المبحوثين إلى إساءة استخدام العقاب المتاح لهم من شحنات كهربائية مستجيبين لتوجيهات المشرف الذى يعبر عن السلطة متجاهلين استغاثات الضحية.

تكررت التجربة عدة مرات فى سياقات مختلفة، وكانت النتائج متفاوتة فى نسب الإذعان للسلطة، ولكن ظل المبدأ قائماً. وتنوعت التفسيرات:

أولاً، هناك تفسير يقوم على الفكرة الوجودية بأن البشر يولدون أشراراً وأن نزعة الإضرار بالآخرين من فطرته الأصيلة. وهنا يعود التذكير بمقولة «فرويد» بنزعة الطفل الصغير لتعذيب القطة الصغيرة.

ثانياً، هناك تفسير يركز على نزعة البشر نحو «التعويض النفسى» عبر التخلص من الإحباطات الذاتية والطاقة السلبية من خلال إيقاع الإيذاء على الآخرين. ويجدون منطقهم فى أن المبحوثين من بعض الدول مثل الدول الإسكندنافية واليابان كانوا أكثر مقاومة لفكرة تعذيب الآخرين مقارنة بنظرائهم فى المجتمعات الرأسمالية.

ثالثاً، التقط دارسو العلوم السياسية التجربة للتأكيد على أهمية وجود «دولة القانون» التى تحمى المواطن من نفسه ومن نظيره المواطن ومن السلطة، ورجعوا بتحليلهم إلى «توماس هوبز» الذى سبق كل هذه التجربة بأن أسقط أى افتراض حول خيرية الإنسان وإنما أعلنها بوضوح أن البشر يولدون أشراراً حاقدين وما يمنعهم عن ذلك أن يتوقعوا عقاباً شديداً على مخالفتهم لسلطان الدولة ذات السيادة.

وبنى باحثون آخرون (منهم تشارلز تيلى) على أن كل المجتمعات التى أصبحت ديمقراطيات راسخة فى مرحلة ما مرت بلحظة «هوبزية» بما فى ذلك الدول الإسكندنافية واليابان والغرب بكل دوله.

من أسف، يعلمنا التاريخ أن بناء الدولة، وحتى هدمها، مسألة مليئة بالدماء والضحايا والخسائر التى يسعى العقلاء لمنعها أو التقليل منها. لكن هى نفسها قصة كل المجتمعات التى يظل أهلها يتصارعون ويتقاتلون وبعد أن يصلوا إلى حالة اللامنتصر واللامهزوم يقولون: لماذا كل هذه الدماء؟ وينتهون بعبارة السامرى الشهيرة: «وكذلك سولت لى نفسى».

وتظهر الحكمة بأثر رجعى بعد أن نكون خسرنا وأخسرنا أنفسنا فوق ما نطيق.

هذا ما يقوله العلم، وما يقوله التاريخ.. السؤال: هل بيننا رجل رشيد؟

arabstoday

GMT 08:10 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

“حكومة التعريفة” ولغز النفط وتسعير مشتقاته

GMT 08:08 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

فستان الرَّئيس «السَّابق»

GMT 08:07 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

ذاكرة شفوية منقوشة في جدار الزمن

GMT 08:05 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

حضرموت... هدف أم طرف؟

GMT 08:04 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

قانون «الفجوة» ومرتكبو الجرائم المالية!

GMT 08:02 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

صفقة الغاز المصرية ــ الإسرائيلية

GMT 08:01 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

أهداف إسرائيل وحسابات سوريا الجديدة

GMT 08:00 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

البقاء للأذكى

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بعض الساسة والسادية السياسية بعض الساسة والسادية السياسية



أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 21:54 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأوكراني ينسحب من سيفرسك حفاظًا على الجنود
 العرب اليوم - الجيش الأوكراني ينسحب من سيفرسك حفاظًا على الجنود

GMT 14:08 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

جيجي حديد وبرادلي كوبر يستعدان للارتباط رسميا
 العرب اليوم - جيجي حديد وبرادلي كوبر يستعدان للارتباط رسميا

GMT 09:14 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 5 من أفراد الشرطة الباكستانية في كمين

GMT 12:43 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

البيت الأبيض يعلن تحصيل 235 مليار دولار من الرسوم الجمركية

GMT 15:10 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

الأمير فيصل بن فرحان يصل إلى مسقط في زيارة رسمية

GMT 08:52 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

فشل إطلاق قمر صناعي للملاحة في اليابان

GMT 15:24 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

نانسي بيلوسي تعتبر خطاب ترمب دليلا على عدم أهليته العقلية

GMT 14:08 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

جيجي حديد وبرادلي كوبر يستعدان للارتباط رسميا

GMT 08:56 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

انفجار ضخم يضرب ميس الجبل جنوبي لبنان

GMT 09:00 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

إصابات في هجوم لمستوطنين على فلسطينيين بالخليل

GMT 08:58 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

وزارة الداخلية السورية تنفذ انتشارًا أمنيًا مكثفًا في حلب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab