داعش الفكرة وداعش التنظيم

داعش الفكرة وداعش التنظيم

داعش الفكرة وداعش التنظيم

 العرب اليوم -

داعش الفكرة وداعش التنظيم

معتز بالله عبد الفتاح

قديماً قالوا عن المواد الفيزيائية إن المادة لا تفنى ولا تستحدث من العدم ولكنها تتحول من صورة إلى أخرى. وهو ما يمكن ادعاؤه بشأن الأفكار؛ فهى عادة لا تفنى ولكنها تتحول وتطير وتسافر وتنتقل من مكان لمكان ومن زمان لزمان ومن بيئة لبيئة وتكتسب أشكالاً وتفاصيل جديدة بحيث تتناسب مع بيئتها الحاضنة الجديدة.

فكر التكفير ليس جديداً على هذه المنطقة من العالم، ولكنه يأخذ أشكالاً جديدة وأكثر دموية وتطرفاً وعنفاً.

وعلى يسار كل يسار هناك يسار آخر أكثر تطرفاً منه وصولاً للفوضوية واللاسلطوية وحرب الجميع ضد الجميع، وعلى يمين كل يمين هناك يمين آخر وصولاً للعنصرية والطائفية وحرب الجميع ضد الجميع. وبين كل هؤلاء توجد قوى الاعتدال حتى داخل اليسار وداخل اليمين. وهذه القوى إما أن تضعف أو أن تقوى، إما أن تملأ مكانها فيتقزم التطرف أو أن تترك مجالها الحيوى لغيرها فيغلب التطرف على المجتمع كله، فتكون حرب الجميع ضد الجميع.

فكر التطرف الطائفى العنيف دائماً موجود لكنه يزدهر حين تُترك له الساحة. وفراغ السلطة فى العراق وسوريا مع تقاطع مصالح الفاعلين الإقليميين والدوليين أنتج هذه البيئة الخصبة لداعش الفكرة وداعش التنظيم.

من وجهة نظر نظام «بشار» وجود «داعش» مفيد، لأنه رسالة إلى العالم بأن البديل عن «بشار» هو نظام حكم طائفى متطرف سيهدد المنطقة بأكملها وفى القلب منها إسرائيل صديقة الغرب المدللة.

ومن وجهة نظر إيران والشيعة بصفة عامة، فإن «داعش» هى نقطة البداية فى معركة «سنية - سنية» تترك المساحة الأكبر لإيران كى توطد نفوذها فى العراق وسوريا والجزيرة العربية أثناء ما السنة منهمكون فى معاركهم البينية.

ومن وجهة نظر تركيا فإن «داعش» هى الخطر الأكبر على الأكراد الذين سيدخلون عليهم كالجراد المنهمر الذى يدمر أراضيهم، فينكفئ الكرد على أنفسهم ويخشون على بقائهم أكثر من تطلعهم لبناء دولة كردستان التى تشمل مساحة 15 إلى 20 فى المائة من مساحة تركيا.

ومن وجهة نظر بعض القوى العالمية والعربية، ربما تنجح «داعش» فى أن تقوض أركان حكم الشيعة فى العراق و«بشار» فى سوريا وتكون معول هدم لهما بحيث تتحسن شروط التفاوض مع هذين النظامين بعد أن يضعفا وهما يقاومان الهجمة «الداعشية» عليهما.

ولكن كما حدثنا «هيجل» عن «دهاء التاريخ» وكما حدثنا نجيب محفوظ عن «عبث الأقدار» وكما حدثنا «باريتو» عن «النتائج غير العقلانية وغير المقصودة للقرارات التى نفترض فيها العقلانية» تدخل المنطقة فى كتلة من التفاعلات غير المقصودة وغير المخطط لها.

ما حدث من الناحية الفعلية هو أن «ثعبان» داعش كبر وطمع وانتشر بأكثر مما كان يتوقع كل هؤلاء فتمرد التمثال على صانعه، كما تقول الأساطير اليونانية القديمة. وبدلاً من أن يكون معول هدم للعدو، من وجهة نظر كل فاعل إقليمى أو دولى، أصبح لـ«داعش» إرادة مستقلة تعادى الجميع ويخشى أن يتورط فيها ومعها الجميع.

تركيا كانت تريدها حرباً «داعشية - كردية» ولكنها الآن مطالبة من أمريكا وحلفائها فى «الناتو» بأن تتدخل لنصرة الكرد المعتدلين من وجهة نظر أمريكا و«الناتو»، لكنهم هم أنفسهم الكرد الذين يشكلون العدو الأكبر لوحدة الدولة التركية.

إيران والشيعة كانت تريدها حرباً «سنية - سنية» ولكنها الآن اكتشفت أن الوحش الداعشى إن نجح، فسيكون عدواً لا يمكن الاستهانة به.

والدول العربية، ومن ضمنها مصر، ترى الخطر قائماً، لأن النموذج قابل للتكرار بأن يقوم كل مجموعة من المتطرفين بإعلان «داعش» فى منطقة ما داخل حدود الدول العربية المترهلة والرخوة والهشة على نحو ما اكتشفنا فى مرحلة الثورات والانتفاضات العربية.

مقاتلو «داعش»، وفقاً لتقارير المخابرات المركزية الأمريكية المنشورة، نحو 30 إلى 35 ألف جندى، لكنهم يتمتعون بروح معنوية عالية وعقيدة قتالية لا يتمتع بها من يواجهونهم. عدد مقاتلى الكرد فى العراق نحو 200 ألف جندى، ولكنهم أقل تدريباً وتسلحاً ولديهم نزعة للانسحاب من المدن والقرى المختلفة أكثر من ثباتهم للدفاع عن أراضيهم.

«داعش» قابلة للتمدد والانتشار إن لم تجد مقاومة على الأرض، وليس فقط ضربات جوية.

تلاقت إرادات الدول على وجود «داعش»، ولا بد أن تلتقى إرادتها للقضاء على «داعش».

وستظل منطقتنا مسرحاً لصراعات ومصالح آخرين حتى نحصن أنفسنا بدولة المواطنة. متى وكيف؟ هذه هى المسألة.

arabstoday

GMT 07:04 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

كبير الجلادين

GMT 06:59 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

التغيير في سورية... تغيير التوازن الإقليمي

GMT 06:56 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أحاديث الأكلات والذكريات

GMT 06:55 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

هذه الأقدام تقول الكثير من الأشياء

GMT 06:51 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

هل مع الفيروس الجديد سيعود الإغلاق؟

GMT 06:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

سوريا... والهستيريا

GMT 06:46 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

لا يطمئن السوريّين إلّا... وطنيّتهم السوريّة

GMT 06:44 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

هيثم المالح وإليسا... بلا حدود!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

داعش الفكرة وداعش التنظيم داعش الفكرة وداعش التنظيم



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 16:16 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

ميمي جمال تكشف سبب منع ابنتها من التمثيل
 العرب اليوم - ميمي جمال تكشف سبب منع ابنتها من التمثيل

GMT 06:20 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

الحكومة والأطباء

GMT 04:11 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 07:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 11:18 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

رسميًا توتنهام يمدد عقد قائده سون هيونج مين حتى عام 2026

GMT 13:28 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

5 قتلى جراء عاصفة ثلجية بالولايات المتحدة

GMT 19:53 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

أوكرانيا تعلن إسقاط معظم الطائرات الروسية في "هجوم الليل"

GMT 10:05 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

شركات الطيران الأجنبية ترفض العودة إلى أجواء إسرائيل

GMT 19:00 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

أوكرانيا تؤكد إطلاق عمليات هجومية جديدة في كورسك الروسية

GMT 10:12 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

انخفاض مبيعات هيونداي موتور السنوية بنسبة 8ر1% في عام 2024

GMT 11:11 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

إقلاع أول طائرة من مطار دمشق بعد سقوط نظام بشار الأسد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab