رسالة من مصر إلى المصريين حتى لا نقول «المركب بتغرق يا قبطان»

رسالة من مصر إلى المصريين: حتى لا نقول «المركب بتغرق يا قبطان»

رسالة من مصر إلى المصريين: حتى لا نقول «المركب بتغرق يا قبطان»

 العرب اليوم -

رسالة من مصر إلى المصريين حتى لا نقول «المركب بتغرق يا قبطان»

معتز بالله عبد الفتاح

هل تتذكرون حضراتكم ما كان من آخر دقائق فى الصندوق الأسود للعبارة السلام 95 والعبارة الشهيرة: المركب بتغرق يا قبطان، المركب بتغرق يا قبطان، المركب غرقت يا قبطان؟

ما يدفعنى لتذكر هذه الواقعة هو أسبوع ملىء بالأحداث، أهمها لقاءان مطولان على انفراد، أحدهما مع رأس الدولة والآخر مع رأس الحكومة، بصفتى الأكاديمية وليست الإعلامية، ولمناقشتى فى بعض تكليفات طلبت منى وبعض من مقالاتى، قال فيهما الرجلان ما قد لا يقال على الملأ. وكان عندى عدة لقاءات منفردة مع عدد من السادة الوزراء، ثم العديد من اللقاءات مع المهتمين بالشأن العام من ساسة ومثقفين وإعلاميين وقيادات حزبية ورجال أعمال، ثم الكثير والكثير من اللقاءات مع أهلنا البسطاء الذين يجلسون على قهوة «فيومى».

الخلاصة، نحن فى لحظة استثنائية، والوضع حرج، والبلد بحاجة لوقف النزيف ونقل دم فوراً، وإن لم ننتبه، فالخسائر قد تكون ردة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية أعمق مما نحن فيه.

مصر ممكن تغرق يا أهل مصر، لا أقول إنها ستدخل فى حرب أهلية على النمط الموجود فى سوريا أو العراق أو اليمن، للمصريين رب ينقذهم وللمصريين جيش يحميهم من أعدائهم دائماً، ومن أنفسهم أحياناً، ولكن هناك ما لا يقل خطراً عن الحرب الأهلية من فقر وإفقار، ومظالم اجتماعية، وتشوهات فى الشخصية المصرية، وضيق ذات اليد، وفساد تحول إلى ثقافة، وإحساس متعمق عند المواطنين وولاة الأمر أن الضائقة المالية عميقة وتزداد عمقاً واستهلاكنا يتضاعف وإنتاجنا يتناقص.

يقول أحد كبار رجال الدولة فى لقائى معه هذا الأسبوع: «أنا عمرى فى حياتى الشخصية ما استلفت، أكيف حياتى على قدر ما هو متوفر من المال، علمت أولادى أن يعيشوا فى حدود المتاح، وأن يتقوا ربنا وهم يأكلون الطعام ويستخدمون الكهرباء والمياه وكل نعم ربنا عليهم، والأكل ما يترميش، اللى يفيض ناكله بالليل، لكن أنا الآن مضطر أن أفعل ما لم أعمله طول حياتى، الناس غلابة ومش عايز أحملهم فوق طاقتهم، «النوة» جاءت 13 يوماً فعطلت السفن، وإحنا الاحتياطى من البوتاجاز يكفى 10 أيام فقط، طيب ما هو أنا لو عندى فلوس ما كان زمان احتياطى البوتاجاز شهر أو أكثر وما كانش حد حس بأى مشكلة»، وغير ذلك من أمثلة كثيرة سمعتها من المسئولين على اختلاف مستوياتهم.

أسير فى الشارع ويستوقفنى الناس يسألوننى عن المستقبل وكم الغموض الكامن فيه، كنت أقول فى الماضى مازحاً: «استمتعوا بالسيئ فالأسوأ قادم»، وقد كنت أقولها وتعلو وجهى ابتسامة سخرية، لأنها جزء من مسرحية فرنسية قديمة للعظيم «لوميير»، لكن الآن حين أقولها، بدأت أقولها وأنا عابس وقلق، فيزداد الناس اضطراباً وكأننى أقضى على أمل بعيد يمنون به أنفسهم؛ فأصبحت عاجزاً عن الرد.

الوضع صعب يا مصريين. ولو وقفت «مصر» مخاطبة أهلها لقالت لهم: أنا بحاجة إليكم، أنا أمكم، أعطيتكم الحياة ومعنى الوجود، أنا النهارده مستنية منكم تساعدونى عشان أقدر أستحملكم وأستحمل القادمين من ورائكم، يا أهل مصر، أنا مش قادرة.

أرجوكم كل واحد يعامل أى حد يقدر يساعده بشىء من الرحمة، أرجوك لو انت مدرس فى مدرسة ولقيت طالب نفسه يتعلم، حاول تساعده لوجه الله، حتى لو مش هتاخد فلوس أكتر، علشان يمكن يجعل ربنا على إيده الخير اللى بنتمناه لمصر، أرجوك لو بتشتغل فى وظيفة حكومية وبتخدم الناس، حاول تساعد الغلابة والمحتاجين وما تاخدش منهم رشوة، يمكن ربنا يكرمك ويمنع عنك مصيبة أكبر، ولو انت لقيت طابور، احترمه واحترم حقوق الآخرين فى حياة آدمية. أرجوكم، لو راكب سيارتك ما ترميش القمامة فى الشارع، حتى لو كان الشارع مش نظيف، واطلب كده من أصحابك وعلم كده لأولادك، انت بتنظف عربيتك وبتوسخنى أنا: مصر.

أرجوك بلاش ألفاظ جارحة أو خادشة أو إهانات للآخرين على قد ما تقدر، لأنكم لما بتشتموا بعض، بتكرهوا بعض، وما بتعرفوش تشتغلوا مع بعض، وأنا محتاجاكم معاً لإنقاذى، وإلا، مركب مصر هتغرق، ولكن كل واحد فيكم يقدر ينقذها ويكون قبطان فى جزء من سفينته.

أرجوكم يا مصريين، المياه تشح كل يوم، أرجوكم لو كان لسه لىَّ عندكم خاطر ومعنى، لا تسرفوا فى استخدامها. أنا بحاجة لكل نقطة مياه فلا تضيعوها، وإلا، مركب مصر هتغرق، وكل واحد فيكم يقدر ينقذها ويكون قبطان فى جزء من سفينته.

أرجوكم، نخفف استهلاك الكهرباء قليلاً، فى حياتنا اليومية، وفى أفراحنا، وفى مآتمنا وفى موالدنا، أرجوكم لا تبالغوا فى استخدامها، أنا بحاجة إليها وغير قادرة على تلبية إسرافكم فيها، أرجوكم ساعدونى، أنا مش قادرة أتحمل أكتر من كده، وإلا، مركب مصر هتغرق، وكل واحد فيكم يقدر ينقذها ويكون قبطان فى جزء من سفينته.

أرجوكم من يتزوجون حديثاً، عليهم أن يستنوا شوية قبل الإنجاب، لأن عدد المطلقات ومعهن أولاد أو بنات كبير جداً، وهذه ليست ظاهرة صحية، انتظروا قليلاً بعد الزواج وقبل الإنجاب لتتأكدوا، ما تدمرونيش أكتر من كده بأولاد وبنات بدون أب، أنا خايفة عليكم من أنفسكم ومن اندفاعكم، وإلا، مركب مصر هتغرق، ولكن كل واحد فيكم يقدر ينقذها ويكون قبطان فى جزء من سفينته.

أرجوكم من أنعم عليه ربنا بثلاثة أولاد وبنات أو أكثر، يتوقف عن الإنجاب لخمس سنوات ويركز فى تربيتهم. أرجوكم أنا مش قادرة على هذا العدد المهول من الناس اللى بيتولدوا كل يوم، كل 22 ثانية فيه طفل بيتولد، يعنى بعد ما تنتهوا من قراءة هذا المقال هيكون فيه حوالى 500 طفل جديد اتولد، عايزين مدرسة ومستشفى وطريق وأكل وشرب، أنا ما أقدرش على كل ده، انتم بتحملونى أكتر من طاقتى، أنا خايفة إنكم تغرقونى، وتغرقوا معايا، أرجوكم انتبهوا، وإلا مركب مصر هتغرق، ولكن كل واحد فيكم يقدر ينقذها ويكون قبطان فى جزء من سفينته.

أرجوكم ما تبالغوش فى نقل الأخبار السيئة قبل ما تتأكدوا منها، لأنكم بقيتم بتعشقوا جلد الذات وقتل أى حاجة جميلة فيَّا وفيكم، أنا بلدكم وعارفة إن فيكم ناس كويسة كتير لكن ما بتدوش لأنفسكم فرصة تشوفوا الكويس، دائماً مركزين على المعيب والشرير، هتكرهوا بعض، وهتكرهونى فى الآخر، وأنا ما ليش ذنب غير إنى بحاول أستوعبكم وأكون ساحة خير ليكم، وإلا، مركب مصر هتغرق، ولكن كل واحد فيكم يقدر ينقذها ويكون قبطان فى جزء من سفينته.

أرجوكم نركن العربية بعيد قليلاً عن الوجهة التى سنذهب إليها ونتمشى قليلاً بما يجعلنا نعمل شوية رياضة ونساعد إخوانا فى الوطن ممن قد يكونون أكثر احتياجاً للركنة القريبة، ونقلل الصف الثانى والثالث قدر المستطاع، أرجوكم أنتم تبالغون فى أنانيتكم، وأنا مش قادرة أستحملكم، وإلا، مركب مصر هتغرق، ولكن كل واحد فيكم يقدر ينقذها ويكون قبطان فى جزء من سفينته.

أرجوكم يا أهل مصر، أنا باستغيث بيكم، ونفسى تكونوا مقدرين حجم المأزق اللى أنا فيه، انتم تقدروا تخلونى أحسن من كده كتير، لو انتم بقيتم أحسن من كده شوية، عيشوا معاً كالإخوة حتى لا تغرقوا معاً كالحمقى، انقذونى منكم، أنا مش عدوتكم، أنا بحاجة إليكم، أجدادكم مروا بظروف أصعب من دى، ونجحوا فى عبور الأزمات. حاولوا تتذكروا الكلام المكتوب هنا، وحاولوا تخلوا ناس تانية تقراه، حاولوا تفهموهم لأنهم لو مش فاهمين هيغرقونى، لو كل واحد بيدوّر على مصلحته بس، مش هينجح وهنضيع كلنا، ما تضيعونيش، أنا أمانة الله عندكم، أرجوكم، خلونى فى بالكم، أملى فى الله كبير، وأملى فى المصريين كبير.

قال تعالى: «ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ». صدق الله العظيم، وبلغ رسوله الكريم، ونحن على ذلك من الشاهدين والعاملين.

arabstoday

GMT 07:17 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 07:13 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 07:11 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 07:08 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 07:05 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 07:03 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 07:00 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 06:58 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الصراع الطبقي في بريطانيا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رسالة من مصر إلى المصريين حتى لا نقول «المركب بتغرق يا قبطان» رسالة من مصر إلى المصريين حتى لا نقول «المركب بتغرق يا قبطان»



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 15:39 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا يوسف تخوض تحديا جديدا في مشوارها الفني

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 17:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حماس تعلن مقتل رهينة بقصف إسرائيلي شمالي غزة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 08:16 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"حزب الله" يعلن استهداف قوات إسرائيلية في الخيام والمطلة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab