عاجل إلى العرب هل أنتم جاهزون للديمقراطية

عاجل إلى العرب: هل أنتم جاهزون للديمقراطية؟

عاجل إلى العرب: هل أنتم جاهزون للديمقراطية؟

 العرب اليوم -

عاجل إلى العرب هل أنتم جاهزون للديمقراطية

معتز بالله عبد الفتاح

انفجارات دموية وصراعات مجتمعية فى كل الدول التى أخذت خطوة أو أكثر نحو التخلص من النظم غير الديمقراطية: العراق، سوريا، اليمن، ليبيا، السودان، الصومال. هل هذا يعنى مخاض التحول الديمقراطى، أم يعنى مقدمات انهيار مجتمعات غير مؤهلة للديمقراطية؟
«نحن غير جاهزين للديمقراطية»، عبارة قالها اللواء عمر سليمان، ولكن أعتقد أنها غير كاملة؛ لأنه كان عليه أن يقول: «ونحن، النخب، السبب فى ذلك».
كتبت فى هذا المكان فى يونيو 2012 مقالاً بعنوان: «حتى لا يتفتت الوطن العربى»، قلت فيه:
الديمقراطية ليست بالضرورة هى الحل فى كل المجتمعات وتحت كل الظروف، بل قد تكون هى المشكلة أو على الأقل سبباً فى تفجر المشاكل. وقد كتبت هذه الملاحظة فى كتابى المتواضع «المسلمون والديمقراطية» فى نسخته الإنجليزية فى عام 2004، وأكدت نفس المعنى فى النسخة العربية بإسهاب أكبر. ومن ضمن ما جاء فى هذا الكتاب أنه باستثناء مصر وتونس، فإن أى محاولة للتحول الديمقراطى المفاجئ لن تكون مأمونة العواقب بل ربما تؤدى إلى عكس المقصود منها. عملية تأهيل المجتمعات والنخب البديلة لاستحقاقات الديمقراطية وشروطها الثقافية والاقتصادية مسألة ليست سهلة ولن تتم بمجرد التخلص من النخبة المستبدة.
وقد كان هذا الكلام بمناسبة توضيح أن الغزو الأمريكى للعراق تحت شعارات الحرية والديمقراطية ما كان ليؤدى إلى ما تمناه دعاة الديمقراطية، ليس فقط بسبب عشرات الأخطاء التكتيكية التى ارتكبها الأمريكان، على حد تعبير كونداليزا رايس، وإنما أيضاً بسبب رخاوة بنية الدولة العراقية وهشاشة ظهيرها المجتمعى. والحقيقة أن بنية جميع النظم العربية، خلا مصر وتونس بسبب تماسك نسيجهما الوطنى نسبياً، يجعلها شديدة الهشاشة؛ لأن سلطة الحاكم وشرعية نظام الحكم وسيادة الدولة ووحدتها مترابطة على نحو يجعل هناك صعوبة شديدة فى النيل من إحداها دون الأخرى؛ لذا فإن معظم دول المنطقة العربية تكون وحدتها وسيادتها مرهونة بسلطة حاكم مستبد وشرعية نظام حكمه وإلا الفوضى (سواء على نمط حروب العصابات أو الحروب الأهلية)، مثل النموذج الصومالى بعد هروب سياد برى، وعلى النمط الفلسطينى بعد رحيل «عرفات»، وعلى النمط العراقى بعد الغزو الأجنبى. وهى الأنماط التى تتكرر فى العام الأخير فى كل من ليبيا واليمن وسوريا والسودان. وأصبحنا أمام خيارات كلها مُرة بين استبداد مستقر أو حرب على الاستبداد مصحوبة باحتمالات التفكك والفوضى. والعرب ليسوا فى هذا بدعاً بين الشعوب؛ فـ«يوغسلافيا» انهارت كدولة بموت حاكمها، ومن ثم انهيار شرعية الحزب الشيوعى، بما نال من وحدتها الداخلية. وأغلب دول منطقتنا مثل يوغسلافيا، وأغلب دول أوروبا الشرقية مثل مصر وتونس من حيث التماسك النسبى للنسيج الوطنى؛ لذا كان التحول الديمقراطى فى أوروبا الشرقية أسهل كثيراً من نظيره فى مصر.
قدمت نصيحتى آنذاك فى ثلاثة أجزاء:
أولاً: هل لدعاة الديمقراطية أن يتمهلوا قليلاً قبل الضغط من أجل المزيد من الحقوق الديمقراطية فى الدول التى لم تزَل مستقرة حتى الآن؟ أقول هذا حرصاً وخوفاً على مصائر إخواننا فى الدول العربية الأخرى؛ لأنه ليس من مصلحة أحد أن يسىء من حيث يقصد أن يحسن. الديمقراطية لها شروط مجتمعية، إن غابت تحولت إلى أداة تدمير لبنية الدولة، وهو ما لا يتمناه عاقل.
ثانياً: هل للحكام العرب فى الدول المستقرة، التى لم تزَل بعيدة عن تأثيرات الربيع العربى، أن يتبنوا منطق الانفتاح الديمقراطى المتدرج عبر مساحة أوسع من حرية الرأى والفكر والحق فى التجمع، وتبنى صيغ سياسية ومجتمعية تسمح للقوى المهمشة والمستبعدة أن تمثل فى عملية صنع القرار؟ وقد أشار مهاتير محمد، فى إحدى محاضراته، إلى فهمه للديمقراطية الأوفق لدول الجنوب بأنها الديمقراطية التى تسمح بتصحيح الحكومات والمسئولين وليس بالتخلص منهم، حتى لو كانت بانتخابات نزيهة ما دامت هذه الانتخابات قد تنال من استقرار الدولة نفسه.
وكما ذهب روبرت دال، أكثر المعاصرين دراسةً للنظرية الديمقراطية، فإن «التربية على القيم الديمقراطية أعقد كثيراً من تبنى إجراءاتها».
ثالثاً: لا مجال لتصدير الثورات العربية إلى دول عربية أخرى، حتى لو كان الشعار المرفوع هو «تصدير الديمقراطية»، منطقتنا هشة بحكم الحدود الموروثة عن الاستعمار، ومخترقة بسبب أهميتها الاستراتيجية، ورخوة بسبب النزعات الانفصالية داخلها؛ لذا فلنتمهل، ولا نحرق المراحل.
وأكمل نصيحتى لنخبة الحكم فى مصر تحديداً بأن تسرع فى التحرك فى الحفاظ على البقية الباقية من الدول العربية بدءاً بليبيا. انفجار ليبيا وانقسامها، على نحو ما حدث فى السودان وفى فلسطين، سيزيد الأمر سوءاً.
إن مصر محاطة بميليشيات عسكرية لا تضبطها سلطة مركزية، وهى بحاجة لسلطة مركزية قوية فى غير استبداد، تلزم الناس وتلتزم بمتطلبات الحرية فى غير فوضى. وهذا ما يجعلنا بحاجة لرجال دولة من طراز رفيع، قرأوا تاريخ العالم وتاريخ مجتمعاتنا، لديهم دولاب عمل من المفكرين والمستشارين القادرين على التوفيق بين الأهداف المتعارضة وليس فقط المفاضلة بينها.
شئنا أم أبينا، على مصر أن تقدم النموذج والقدوة. شئنا أم أبينا سينظرون لنا وسيحاولون أن يقلدونا، شئنا أم أبينا، العرب فى نفق مظلم، ونحن نستطيع بالتعاون مع الأشقاء وبشىء من إنكار الذات وحسن التخطيط أن نخرج بخسائر أقل. هذا ليس بسهل، لكن علينا، نحن المصريين، أن نعرف أن مسئوليتنا ليست مصر بحدودها فقط، وإنما مصر والمصريون لهم مصالح حيوية ممتدة إلى كل قُطر عربى، وعليهم واجب قومى ممتد إلى حيث نستطيع أن نساعد أشقاءنا العرب.
علينا أن ننهض من كبوتنا بسرعة؛ لأن الوقت ليس فى صالحنا ولا فى صالح أشقائنا. نحن، العرب، أثبتنا أننا غير جاهزين للتحولات السياسية المفاجئة، سواء تحت شعارات ديمقراطية أو غيرها، ولكن هذا لا يعنى أننا غير معنيين بقضية التطور البطىء نسبياً على مدى طويل نسبياً كى نكون أكثر ملاءمة لواقع جديد ولمستقبل أفضل.
اللهم أصلح ولاة أمورنا، اللهم ألّف بين قلوبنا، اللهم اهدنا سبل السلام، ونجّنا من الظلمات إلى النور، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
آمين

 

 

arabstoday

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

ليس آيزنهاور

GMT 06:49 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

والآن الهزيمة!

GMT 06:47 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية تأخر قيام دولة فلسطينية

GMT 06:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

... عن «الممانعة» و«الممانعة المضادّة»!

GMT 06:21 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

الفكرة «الترمبية»

GMT 06:18 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن... وأرخبيل ترمب القادم

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق ترامب؟!

GMT 06:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاجأة رائعة وسارة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عاجل إلى العرب هل أنتم جاهزون للديمقراطية عاجل إلى العرب هل أنتم جاهزون للديمقراطية



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 21:12 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
 العرب اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 02:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab