هل ثورتنا ثورة وهل انقلابهم انقلاب

هل ثورتنا ثورة.. وهل انقلابهم انقلاب؟

هل ثورتنا ثورة.. وهل انقلابهم انقلاب؟

 العرب اليوم -

هل ثورتنا ثورة وهل انقلابهم انقلاب

معتز بالله عبد الفتاح

يطلق أنصار الرئيس مبارك على ثورة 25 يناير انقلاباً أو مؤامرة.

يطلق أنصار الرئيس مرسى على ثورة 30 يونيو انقلاباً أو مؤامرة.

يطلق الإسرائيليون على حرب 1948 حرب الاستقلال، وعلى حرب 1967 حرب الساعات الست.

يطلق العرب على حرب 1948 النكبة، وعلى حرب 1967 النكسة..

«ثورة» عرابى ظل يطلق عليها اسم «هوجة» عرابى حتى ثورة 1952، وتحول الرجل فى الذاكرة المصرية من ضابط متآمر على الدولة العثمانية فتح الباب لاحتلال مصر من قبَل الإنجليز إلى ضابط وطنى وفلاح أصيل رفض الظلم وضحى من أجل بلاده.

إذن فى السياسة، كما فى الحياة، قد يكون يوم فرح أحدهم يوم مأتم لآخر.

وهكذا مصر، وهكذا المصريون. ثورات مصر ليست بدعاً بين الثورات، كما أن انقسام المصريين ليست بدعاً بين الانقسامات، كما أن تغير مواقف الناس قبل الثورات وأثناءها وبعدها وفقاً لما يتوافر لهم من معلومات ليس بدعة محلية.

أدّعى أنه لا يوجد مصرى مهتم بالشأن العام لم يغير موقفه أكثر من مرة من كل قضية أو شخص أو حدث.

وهذا ليس عيباً فى ذاته. عمر ابن الخطاب غيّر رأيه فى قضية الدين، فأصبح أحد العشرة المبشرين بالجنة.

وأبوجهل كان صامداً فى موقفه صلباً فى مبدئه، فمات على غير دين الإسلام، وحسابه وحسابنا عند ربنا.

إذن دعونا نضع أمام أعيننا ثلاث حقائق: أولاً: لا أحد يقبل إطلاق لفظة «ثورة» على «انتفاضة شعبية» تقوم ضد نظام يؤيده، وإنما هو دائماً يشير إلى أنها كانت ناتجة عن مؤامرات، وأنها «انقلاب» أو «سطو مسلح» أو «سرقة بالإكراه» للدولة. أنصار الملك فاروق ظلوا حتى وفاة الرئيس عبدالناصر يصفون ما حدث بأنه انقلاب «البكباشى عبدالناصر»، وبعضهم كان يطالب بعودة الملكية إلى مصر. وأنصار الرئيس مبارك ظلوا رافضين لإطلاق كلمة «ثورة» على ما حدث فى 25 يناير، وكانوا يعتبرون أن «طنطاوى خان الأمانة»، وكان جورج الثالث ملك إنجلترا يصف «جورج واشنطن» ورفاقه بأنهم «خونة مارقون يقودون حرباً أهلية انفصالية ضد المملكة البريطانية العظمى بدعم من الفرنسيين والإسبان». إذن عند جورج واشنطن قائد القوات الأمريكية التى حاربت الإنجليز هى حرب استقلال، وعند جورج الثالث ملك إنجلترا فى أواخر القرن الثامن عشر، ما يفعله جورج واشنطن ورفاقه حرب أهلية يريد أن ينفصل فيها بعض المارقين بولايات أمريكا الشمالية عن المملكة البريطانية.

كل يقرأها وفقاً لمصلحته.

إذن بعد الانتفاضة الشعبية سيكون هناك من سيسميها «ثورة» وهناك من سيسميها «انقلاباً». عادى خالص وبتحصل فى أحسن المجتمعات.

ثانياً: كلمة «ثورة» ليست كلمة فنية متخصصة إلا عند الأكاديميين، وحتى هؤلاء بينهم تباين فى الأطر المعرفية الحاكمة لنظرياتهم. وفى الفضاء غير الأكاديمى فوضى المصطلحات أوضح، وتعالوا «نبص بصة» على حدثين تاريخيين وُصفا من قبَل من قاموا بهما بأنهما «ثورة»؛ الأول فى الصين والثانى فى البرتغال، لنعرف حجم «فوضى المصطلحات» الذى نعيش فيه.

أما فى الصين، فما سُمى بـ«الثورة الثقافية»، فى أواخر الستينات، لم يبدأ كثورة شعبية أصلاً، ولكنها كانت دعوة من ماو تسى تونج، زعيم الحزب الشيوعى لمؤيديه كى يتمردوا ضد معارضيه. ومنذ أغسطس 1966 تم تكوين مجموعات الحرس الأحمر بين طلبة الجامعات وتلاميذ المدارس بعرض الصين. تحرك الطلبة بسرعة من مهاجمة مدرسيهم ومسئولى مدارسهم إلى مهاجمة البيروقراطية المحلية، وتحولت «الثورة» إلى إرهاب ليشمل أهدافاً أوسع وأوسع، وأصبح أى شخص يشير إلى أى خطأ ارتكبه «ماو» وكأنه عميل ومتآمر وطابور خامس، وكادت الحرب الأهلية أن تندلع فى أجزاء كثيرة منها، وكانت هذه واحدة من أسوأ فترات الصين المعاصرة.

هنا تحولت كلمة «ثورة» لتصبح توصيفاً إيجابياً تم توظيفه سياسياً وإعلامياً لعمل «شرير» عانت منه الصين طويلاً.

تعالوا نعمل قفزة سريعة فى اتجاه البرتغال، حيث كانت كلمة «ثورة» توصيفاً إيجابياً لعمل «إيجابى» لم يبدأ كثورة، وإنما كانقلاب لم تكن له مقدمات شعبية حقيقية. وهذا هو المثال الواضح لثورة 1974 فى البرتغال، حيث توجد العديد من الدراسات الأكاديمية التى تشير إلى أن ما حدث «ثورة» ليس بحكم مشاركة الناس فيها من البداية، ولكن بحكم مباركة الناس لها فى النهاية، مثلما حدث فى مصر مع «عبدالناصر» فى 1952.

المهم، فى فجر يوم 25 أبريل 1974 قام رتل من عشر مدرعات خفيفة و12 شاحنة باحتلال ساحة الوزارات فى لشبونة، عاصمة البرتغال. ولكن الناس، حزب الكنبة بتاعهم يعنى، استقبلوهم بالمواكب رغم النداءات الداعية إلى المكوث فى المنازل، وبعد 48 سنة من الحكم الفاشى، بعد انقلاب سالازار فى 1926، حدث «انقلاب 1974» بقيادة مجموعة من الضباط، لينتهى بالجنرال سبينولا حاكماً للبلاد، لكى يسقط النظام فى أيام معدودة، وخرج الآلاف يؤيدون «الانقلاب» الذى تحول بفضل الدعم الشعبى إلى «ثورة» أصبحت تسمى «ثورة القرنفل».

وبما أن التاريخ يكتبه المنتصر، فالمنتصر فرض فى النهاية المصطلح الذى يخدم قضيته.

ثالثاً: من حقائق الثورات أيضاً وجود «ناس متحولين»، يصفهم أعداؤهم بأنهم «متلونون» غالباً لأنها صفة فيهم يطلقونها على غيرهم، ذلك أن الثورات مسألة «ديناميكية» أى «متغيرة ومتحولة» ومواقف الناس منها كذلك. إحسان عبدالقدوس كان من أكثر مؤيدى ثورة 1952، ولكنه تحول إلى مهاجم لها بشراسة أيضاً بعد أن رأى نزعة الضباط الأحرار لقمع الحريات وإلغاء الأحزاب وتأميم الصحف.

وتاريخ العالم مملوء بمن «تحولوا» من موقف إلى آخر وفقاً لمعطيات سياسية معينة. «توماس باين»، المؤيد للثورة الفرنسية فى بدايتها الناقم عليها بعد أن تحول بعض أسمائها مثل «روزبيير» و«لافاييت» إلى متاجرين بها، لم يكن فيلسوفاً انتهازياً، ولكنه رأى انحراف الثورة عن طريقها فتغير موقفه منها، وهو بالضبط ما حدث مع «تولستوى» بعد الثورة الشيوعية فى روسيا.

وفى مصر، لم تفشل ثورة 25 يناير، لكنها نجحت رغماً عن فشل الثوار. وذهب الحكم إلى القوتين الأكثر تنظيماً: الإخوان فى يونيو 2012، والمؤسسة العسكرية فى يونيو 2013، وعاد الثوار إلى ثكناتهم الإلكترونية ينتقدون الوضع الراهن ويبشرون بثورة جديدة.

ودائماً ما سيفشل المدنيون (من ليبراليين إلى يساريين إلى غيرهم)، سيفشل هؤلاء سواء كانت هناك ثورة أو كانت الأمور روتينية، طالما أنهم ليسوا جزءاً من كيانات منظمة تعبئ الموارد، وتجنّد الشباب، وتطرح البدائل، وتقدم رؤية أفضل لمستقبل مختلف.

لو كان لى أن أقتبس اسمين من مؤلفات توفيق الحكيم لوصف حالنا: ثورة يناير هى «عودة الروح» للجسد السياسى المصرى، وثورة يونيو هى «عودة الوعى» للعقل السياسى المصرى. أو هذا ما ينبغى أن يكون.

اتفلسفت شوية؟ يمكن. ولكن أتمنى أن يكون رصيدى عندكم يسمح.

ولندعُ الله أن يكون غدنا أفضل من يومنا وأمسنا.. آمين.
يومكم سعيد.

arabstoday

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

ليس آيزنهاور

GMT 06:49 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

والآن الهزيمة!

GMT 06:47 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية تأخر قيام دولة فلسطينية

GMT 06:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

... عن «الممانعة» و«الممانعة المضادّة»!

GMT 06:21 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

الفكرة «الترمبية»

GMT 06:18 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن... وأرخبيل ترمب القادم

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق ترامب؟!

GMT 06:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاجأة رائعة وسارة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل ثورتنا ثورة وهل انقلابهم انقلاب هل ثورتنا ثورة وهل انقلابهم انقلاب



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 06:06 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

راجعين يا هوى

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab