بقلم - أسامة غريب
حدثنى أحد الرجال، الذين تبدو عليهم الحكمة، وكنت قد التقيته فى أحد المطاعم الهندية بمدينة تورونتو الكندية قائلًا: من الواضح أنك تحب الطعام الهندى لأننى رأيتك هنا غير مرة. قلت له: هذا صحيح، أنا أعشق الطعام الهندى ذا التوابل، الغنى بالنكهة، الذى ينبه الحواس جميعًا وينعشها بقوة.
وأحيانًا أتمنى أن أهاجر إلى الهند لأعيش هناك وأستمتع بالمذاق الشهى لأحلى طعام. ضحك الرجل قائلًا: أنت محق فى حبك للطعام الهندى، لكنك مخطئ بالتأكيد فى أمنيتك بتناوله فى الهند!.. ثم أضاف: إذا أحببت الطعام الصينى فلا تتناوله فى الصين، أو الطعام الهندى فلا تتناوله فى الهند، وكذلك الطعام المصرى إذا كنت من عشاقه فلا أنصحك بتناوله فى مصر!.
أثارنى كلامه، فتركته يستفيض. قال: أنا واحد من المؤسسين لجمعية الذوّاقة فى أونتاريو، ولهذا فإننى أتذوق الكثير من الأطعمة العالمية، ولقد خرجت بعد طول التجربة بالنتيجة الآنف ذكرها. توقف قليلا ثم استأنف: هل تعلم أننى كدت أفقد حياتى على أثر وجبة طعام هندية ملوثة تناولتها فى بومباى منذ عدة سنوات؟!، وهل تصدق أن الأمر نفسه حدث لى بمصر بعد تناول وجبة مفتخرة من الملوخية والكوارع؟!.
قلت له: أنتم معشر الغربيين أناسٌ مدللون، وقد عودتم بطونكم على الأكل السوتيه حتى اعتادت طعامكم الصحى الخامل فاقد الطعم، ولهذا فما إن تطلقوا العنان لطبيعتكم الحرة وتتركوها تختار لكم حتى يختل نظامكم العضوى وتضطرب أمعاؤكم وتتصوروا أنفسكم قد أصبتم بالتسمم.
سكت قليلًا وهو يزن كلامى ثم قال: لا أظن أنك محق فى رأيك هذا.. أولًا: لأننا لسنا بهذه الرهافة، فنحن نتناول الكثير من الطعام «الزبالة» المتمثل فى الوجبات السريعة من هامبورجر ومقانق.. وغيرهما.
وثانيًا: لأننا عبر المهاجرين من أمثالكم قد امتلأت مدننا بالمطاعم الصينى والهندى والمكسيكى والمصرى واللبنانى والمغربى، وهى لم تعد خاصة بكم وحدكم لكنها صارت جزءًا من جدولنا فى الطعام، ولهذا فأنا مُصّر على أنه من الأشهى والأصح أن تتناول الطعام الهندى فى تورونتو والصينى فى باريس والتايلاندى فى لندن.. ثم أردف: أنا أقول لك هذا الكلام عن تجربة وأنت حر فى تقبله أو رفضه.
أتذكر أننى تركت الرجل وأنا أظن به عنصرية للجنس الأبيض الذى يعتقد الجودة والإتقان صناعة غربية حتى فى طعامنا.. لكننى مع مرور الزمن بدأت أنظر لرأيه بشكل مختلف، خاصة وقد أصبت بنزلة معوية كالتى حكى لى عنها وأنا فى بلد آسيوى على أثر وجبة أكلت مثلها كثيرًا فى كندا وأمريكا دون أن يحدث لى شىء، كما لم أنس تجربة مؤلمة حدثت لى بمصر منذ سنوات مع وجبة كشرى دخلت بعدها المستشفى لمدة أسبوعين.
والآن، أصبحت مقتنعًا برأى الرجل ومستعدًا لتبنى نظريته التى تُعلى من شأن الصرامة التى تتعامل بها الجهات الصحية فى الغرب مع المطاعم، فى مقابل البساط الأحمدى للعاملين بالمطاعم فى بلداننا!.