بقلم - أسامة غريب
فى ذروة الحرب الباردة، فاز الروسى بوريس باسترناك بجائزة نوبل للآداب عام 1960 بعد أن انتشرت روايته «دكتور زيفاجو» عقب ترجمتها للغة الإنجليزية، وكانت السلطات السوفيتية قد منعت نشر الرواية فى روسيا وطالبت كاتبها بسحب اتفاقه مع ناشر إيطالى لإطلاقها فى أوروبا، ومع ذلك فقد راجت وتحولت لفيلم قام ببطولته عمر الشريف من إخراج دافيد لين.
تتداعى الأفكار حول باسترناك هذه الأيام بعد رحيل الكاتب التشيكى ميلان كونديرا، ليس لتشابه أدبى بينهما ولكن لأن الغرب فى حملته ضد الشيوعية قد احتفى بالكُتاب أبناء الكتلة الشرقية الذين أبدوا تحفظات على التطبيق العملى للمبادئ اللينينية، ورغم أن رواية دكتور زيفاجو لم تكن معادية للثورة البلشفية أو معبرة عن وجهة نظر النبلاء، فإن بطلها قد جفل من التطبيق الصارم والعنيف لمبادئ الثورة حتى أصبحت كلفتها أعلى بكثير من فوائدها. الأمر نفسه تكرر بالنسبة لميلان كونديرا الذى تلقف الغرب أعماله فترجمها واحتفى بها، بسبب موقفه الناقد للتجربة الاشتراكية فى تشيكوسلوفاكيا، رغم أنه لم يكن صداميًا أو حادًا فى انتقاداته. وربما لم ترغب الأكاديمية السويدية فى منح نوبل للآداب لكونديرا رغم أنه ظل على قوائم المرشحين سنين طوال، وذلك حتى لا تتعرض للوم مثلما حدث فى الأوساط الأدبية عقب فوز باسترناك بها واتهامها للجائزة بأنها تخلط الأدب بالسياسة وأنها إحدى أدوات التأثير التى يستخدمها السياسيون فى الغرب لمكافأة من يساير خطهم الفكرى وينتقد عدوهم العقائدى، خاصة أولئك الذين ينطبق عليهم قول: «وشهد شاهد من أهلها». والحقيقة أن للغرب وسائل وأدوات ومؤسسات وهيئات تهيمن عليها وتستخدمها ضد خصومها، منها الأمم المتحدة ذاتها، وهى فى حقيقتها ألعوبة أمريكية، وأبسط دليل أن واشنطن تحرم من لا ترضى عنه من حضور جلسات الجمعية العامة فى مقر المنظمة بنيويورك بعدم منحه تأشيرة دخول!.. يملك الغرب كذلك نوبل والأوسكار وجائزة مهرجان كان وبرلين وفينيسيا وهى جوائز تلتوى الأعناق نحوها وتهوى إليها أفئدة المشتاقين للشهرة والعالمية.
على العموم، لا أعتقد أن ميلان كونديرا، الذى توفى هذا الأسبوع عن 94 عامًا والذى انتقل إلى فرنسا منذ عام 1975، كان يستحق نوبل.. ذلك أن أعماله فى رأيى كانت متوسطة المستوى وليس بها من وهج الأدب الإنسانى ما لأعمال دوستويفيسكى أو تشيكوف أو حتى إرنست هيمنجواى، وفى تقديرى أن حياة كونديرا تصلح لكتابة عمل أدبى تظهر فيه أسباب هجرته إلى باريس واستقراره بها، بعد أن منعت براج نشر أعماله وتداولها لمدة خمس سنوات، وكذلك تجربته الفريدة فى الكتابة باللغة الفرنسية وهى ليست لغته الأم اعتبارًا من عام 1995.. وعلى الرغم من تعدد أعماله، فإن روايته «كائن لا تحتمل خفته» هى الأشهر من بينها، وذلك لتناولها ربيع براج عام 1968 والذى كان كونديرا نفسه جزءًا من حراكه.. ومرة أخرى نقول إن الحرب الباردة كان لها أكبر الأثر فى شهرة كونديرا وباسترناك على الرغم من وجود من فاقهما أهمية وأثرًا أدبيًا