بقلم - أسامة غريب
عرف الفنان محمد عبدالوهاب التألق والتوهج الفنى لعشرات السنين، ومن الطبيعى أنه لم يكن منفردًا على ساحة الغناء والتلحين، لكن كان يشحذ همته ويثير موهبته وجود مبدعين من العيار الثقيل، على رأسهم العظيم رياض السنباطى.
وفى اعتقادى أن عبدالوهاب كان ينافس السنباطى تحديدًا طوال سنوات الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات والستينيات، رغم وجود مبدعين آخرين كالقصبجى وزكريا.. وفى ظل هذه المنافسة خرجت أعظم أعماله، هذا على الرغم من أن عبدالوهاب لم يعترف أبدًا لأى أحد طوال حياته بالتفوق والإبداع، ولم يذكر أحدًا بالخير فى أى من لقاءاته مع الإعلام.
وفى كل مرة يوجه إليه السؤال عن أحد الملحنين، فإنه كان يتفوه برأى غامض يحتمل كل تأويل، ولا يمكن أن تفهم بسهولة هل يمتدح أم يذم.. فمثلًا قال عن رياض السنباطى: «هو ملحن محترم مثل رجل يرتدى الطربوش، لا تستطيع أن تهزأ به، لكن لا يمكنه إحداث ثورة فى الموسيقى».. وفى مرة أخرى سئل عن أفضل ألحان السنباطى لأم كلثوم فقال: إنه لحن «ولد الهدى».
وهذا الرأى شديد الغرابة، إذ يتجنب ذِكر (الأطلال، وأراك عصى الدمع، وثورة الشك، وعودت عينى، وذكريات وثوار، ودليلى احتار، والحب كده، ومن أجل عينيك، وشمس الأصيل، وجددت حبك ليه، وقصة الأمس، وحيرت قلبى معاك.. وغيرها من عشرات الألحان التى تجلت فيها عبقرية السنباطى).
وفى ذات لقاء سألوه عن فريد الأطرش فقال: «إن لديه القدرة على تلحين الأغنية فى خمس دقائق».. وهو رأى لا تفهم منه هل يشيد بقدرات فريد أم يسخر من تسرعه وبُعده عن الإتقان.
وعن محمد الموجى قال فى لقاء تليفزيونى: «الموجى ده بتاع كله.. أغانى طويلة، أغانى قصيرة، موشحات، فوازير، أى شىء وكل شىء». ومرة أخرى لا نفهم هل يشيد بموهبة الموجى القادر على الخوض فى كل أنواع الغناء أم ينتقد عدم تركيزه!.. ليس من السهل على موسيقارنا الكبير أن يشيد بمنافس أو يقول كلمة طيبة صريحة عنه، ومع ذلك مازلت أعتقد أنه كان يحمل تقديرًا كبيرًا خفيًا للسنباطى الذى نجح فى استفزازه فنيًا.
فأخرج منه الكنوز الوهابية التى نعرفها، ولكنى أظن أيضًا أن المستوى العالى الذى عهدناه فى عبدالوهاب قد تأثر بشكل ملحوظ عندما تخلى عن منافسة السنباطى واستجاب لمنافسة ملحن آخر هو بليغ حمدى. فى هذه المرحلة قدم فنان الشعب أضعف ألحانه التى لا يساورك الشك عند سماعها أنه كان يلحنها وخيال بليغ حمدى يناوشه، مثل أغنية «نبتدى منين الحكاية» تأليف محمد حمزة وهو المؤلف الحميم لبليغ.
وكذلك أغنيات عبدالوهاب لوردة التى حاكى فيها أغنيات بليغ التى قدمها لمحرم فؤاد فى نفس المرحلة، وكان بها الكثير من الزعيق ولا أقول الردح مع أقل القليل من الروح الوهابية التى عرفناها لصاحب النهر الخالد والجندول ولا تكذبى وأغدًا ألقاك وإنت عمرى وهذه ليلتى. رحم الله السادة الذين جاء ذكرهم فى هذا الحديث، فكلهم غادرونا.