بقلم - أسامة غريب
فى الحديث عن العولمة ينبغى أن نوضح أنه من بين مقتضياتها الأساسية توحيد المعايير والخضوع لقياسات تسرى على الجميع فى كل مكان من الأرض بنفس الدرجة. وعليه صار لكل مهنة دليل عمل أو «مانيوال» يلتزم به الجميع. ومن تجليات هذا أننا نجد موظف البنك فى سويسرا يقوم بنفس العمل الذى يؤديه زميله فى جنوب إفريقيا أو فى الصين بنفس الكيفية والخطوات.
كذلك نرى الإجراءات المتبعة لإنهاء سفر راكب فى أمستردام هى نفسها التى تتم فى طوكيو أو فى جدة، ومدرب الكرة يفعل فى البرازيل نفس ما يفعله عندما يدرب فى الإمارات، ولهذا صارت الشركات والمؤسسات والوزارات تنشئ أقساما للجودة حتى تضع قواعد يُحتكم إليها فى أداء العمل حتى لا يترك الأمر للفهلوة والتقدير الشخصى.
من هنا فإن المدرس المطابق للمواصفات هو الذى يستطيع أن يقوم بتدريس اللغة الفرنسية فى القاهرة ويقوم بتدريسها فى داكار أو فى فيتنام بنفس الكفاءة، والطبيب المطابق للمواصفات يستطيع أى مستشفى فى العالم أن يعتمد عليه. ومن الجدير بالذكر أن الدول الكبرى هى طبعا التى تضع المعايير وتبدلها وفقا لمصالحها، فإذا تبدلت المصالح تم تعديل الكتالوج، وفى هذه الحالة نضطر أن نتبعهم فى مقاييسهم ومستوياتها دون مناقشة.
فعندما يقررون أن التدخين عادة جميلة ترتبط بالرجولة وتمنح الإنسان المتعة وصفاء الذهن فإننا نتبعهم ونبيح التدخين فى كل مكان، ويظهر الضيوف فى التليفزيون يدخنون ويستمتعون!.. وعندما يقررون فى الغرب أن التدخين خطر ينبغى محاصرته والتضييق على أصحابه ومنعه فى الأماكن العامة، وكذلك حظره على الطائرات، فإننا بنفس البساطة نمتثل صاغرين.
وعندما يقررون وضع المطهرات وسوائل التعقيم وارتداء الكمامات فى الأماكن العامة فى زمن الكورونا فإن الجميع يمتثل. ورغم أنه يتم التلاعب بنا باعتبارنا مفعولا به طول الوقت فإن مقاييس الجودة هى فى النهاية شىء جيد لو قمنا بتقليدها على نحو جاد.
لكن الذى يحدث أننا بالفهلوة المعهودة نقوم «بضرب» كل شىء، وأظن أن الصورة واضحة ولا تحتاج إلى شرح، بدءا بالبطاطس المصرية التى كثيرا ما ترفض أسواق أوروبا استقبالها، مرورا بالطبيب المصرى الذى يتعين عليه الدراسة من جديد إذا أراد ممارسة الطب بالخارج، فضلا عن المدرس المصرى الذى كان فى يوم من الأيام رسول التنوير فى العالم العربى فأصبح اليوم كما نرى!.
المشكلة أن لدينا من يرغبون فى الدخول للمستقبل من خلال الأخذ بفوائد العولمة، لكن لدينا أيضا من يفرغون الأمر من مضمونه، وعلى سبيل المثال قائدو السيارات الذين يضعون حزام أمان وهميا لتسديد الخانة فقط، وكذلك الذين استعملوا خرقة غير نظيفة على أنها كمامة، وأيضا زجاجات تعقيم اليد المنتشرة فى صالات مطار القاهرة، أسوة بمطارات العالم، غير أنها تحتوى على ماء الحنفية.. آه والله!.