بقلم:أسامة غريب
فى عصر الإنترنت والسوشيال ميديا يصدق الناس المعلومات المغلوطة التى يبثها هواة فى أمور الفن والسياسة. من هذه الأخبار التى تكتسح النت قصة الغرام الخالدة بين الملحن بليغ حمدى والمطربة وردة. لا يتوقف مؤلفو هذه القصة عن الإضافة إليها كل يوم حتى جعلوها تضاهى حكاية روميو وجولييت!. هذا مع العلم أن وردة نفسها فى أحاديث تليفزيونية كثيرة كانت صريحة وواضحة وعرضت موضوع زواجها من بليغ بشكل طبيعى بدون رتوش. بليغ حمدى هذا الفنان الكبير كان رجلًا متحررًا من كل القيود ولم يكن يخلص سوى لفنه، ولم يُعرف عنه الالتزام فى المواعيد والعلاقات بشهادة كل مَن عرفوه. ولعل هذا الفنان الفذ كان يحتاج لحالة حب يعيشها لتمنحه الحافز والإلهام لإخراج الموسيقى والألحان، وهذا ما جعله متعدد العلاقات، مثل عصفور ينتقل من شجرة إلى شجرة. لماذا إذًا قام رجل هذه صفاته بطلب الزواج من وردة الجزائرية؟.
أعتقد، والله أعلم، أن السبب أن وردة لم تكن من النوع الذى يمكن أن يدخل فى مغامرة عاطفية مع أحد. كانت فتاة جزائرية جادة مُحاطَة بأسرتها، ولم تكن مثل الفنانات اللواتى كان يُحضرهن بليغ من هذا البلد العربى أو ذاك. وكلنا نعلم أن بيت بليغ كان مفتوحًا لكل مَن هب ودب، ولا توجد موهبة اكتشفها إلا وأقامت فى بيته إقامة كاملة، ومعروفة حكاية سميرة مليان، التى سقطت أو أُسقطت من شباكه ليتم العثور عليها جثة هامدة. لم يتزوج بليغ من أى واحدة ممن أتى بهن من الخارج لأن بعضهن كنّ بالنسبة له بمثابة محظيات، أما وردة فلم يكن هناك من سبيل إليها إلا بالزواج. أما لماذا وقع الطلاق فقد أجابت وردة فى أكثر من موضع وقالت إن البيت كان عبارة عن وكالة من غير بواب ولم تكن لها سيطرة على مَن يأتى ومَن يذهب. لم تنكر وردة عظمة بليغ الفنية، لكنها أنكرت قدرته على الالتزام بحياة زوجية، وحكت أنها دخلت المستشفى، وأجرت عملية جراحية، بينما كان بليغ بصحبة مطربة ناشئة. هو تزوجها لأنه أحبها، وهى قبلت لأنه ملحن كبير. صحيح أن بليغ تعذب بعد الطلاق، لكن هذا العذاب كان مطلوبًا كجزء من منابع الإلهام، لذلك فقد أطلق له بليغ العنان ولم يكبحه، بل استفاد منه فألّف ولحّن وأنتج فنًّا.
وردة كانت واقعية، فروت الحقيقة كما عاشتها، أما بليغ فكان رومانسيًّا، وأقبل على الوهم الذى يُنتج الفن الجميل. ولا بد أن وردة ضحكت وهى تسمع أغنية الحب اللى كان، خصوصًا المقطع الذى يقول: «زمان كان لينا بيت وأصحاب طيبين يبكوا لو يوم بكيت». ذلك أن هذا البيت الذى يرثيه بليغ كان الأنتريه والمقاعد به مليئة بالخروم من فحم الشيشة التى لم تكن تنطفئ طول الليل طبقًا لوردة، أما الأصحاب الطيبون من زوار البيت فقد جلبوا لبليغ مصيبة وحكمًا بالسجن فاضطر للسفر والاغتراب فى باريس حتى انتهت القضية التى تسببوا فيها!.