بقلم - أسامة غريب
بعد قيام الميليشيات العراقية الموالية لإيران بقصف القوات الأمريكية قرب قاعدة التنف، عند مثلث الحدود السورية- الأردنية- العراقية، ونجاحها فى قتل ثلاثة جنود أمريكان وجرح العشرات، فإن واشنطن ردت بقصف مواقع داخل سوريا والعراق واليمن، لكنها لم تجرؤ على قصف الأراضى الإيرانية.
السبب هو أن إيران قادرة على الرد المؤذى، وبصرف النظر عن القوة الهائلة للولايات المتحدة، فإنها لا تهاجم من يستطيع أن يؤذيها بصدق، والأمر نفسه ينطبق على إسرائيل. إسرائيل عبارة عن ترسانة أسلحة شديدة التطور والضخامة، ورغم ذلك فإن الإيرانيين استطاعوا أن يكبحوا عدوانيتها ويمنعوها من قصف أراضيهم، وهى التى لم توقر خصماً من قبل.
لكن ولئن كانت طهران تتسم بالمنعة والقدرة على الرد العنيف، فإن الأذرع الإيرانية فى المنطقة، مثل حزب الله اللبنانى والحشد الشعبى العراقى وجماعة أنصار الله اليمنية، علاوة على الجيش النظامى السورى، ورغم أنها مدعومة من إيران، إلا أن الأسلحة الإيرانية الرادعة لم تصل إليهم بأنواع وكميات تجعلهم قادرين على منازلة إسرائيل.
هذا ببساطة هو سبب الكر والفر وقصف إسرائيل المتوالى لمواقع تحاول إيران تثبيتها فى الأرض السورية وقصفها لقوافل السلاح قبل وصولها إلى حزب الله، إذ إن هذه الأذرع لو تملكت الصواريخ الدقيقة بقدر كاف فإن الوحش الصهيونى المسلح سيصيبه العجز، ولسوف تكون لأرض العرب حرمة مماثلة لحرمة إيران على الإسرائيليين والبريطانيين والأمريكان.
لقد أخذ الصراع الإيرانى- الإسرائيلى شكل لعبة قط وفأر طوال السنوات الماضية.. إيران تسعى لإدخال صواريخ متطورة إلى الجنوب اللبنانى، وإسرائيل تقوم بقصف القوافل التى تحمل هذه الصواريخ، ولم يعد جديداً أن باطن الأرض اللبنانية مكدس بعشرات الآلاف من الصواريخ، ورغم خطورة هذا الأمر على الوضع الإسرائيلى الهش، إلا أن إسرائيل ظلت قادرة على التعايش مع مثل هذا الخطر.
بعد أن نجحت فى تطوير قبة حديدية قادرة على إسقاط الطائرات ومعظم الصواريخ المعادية. الخطر الجديد الذى تتحسب له إسرائيل الآن هو أن المصانع الجديدة التى تبنيها إيران فى سوريا ولبنان لا تختص فقط بتصنيع صواريخ جديدة، وإنما وفقاً لصحيفة يديعوت أحرونوت فإنها تعمل على تركيب مجنحات تحمل جى بى إس للصواريخ القائمة من أجل دقة الإصابة. لا تبالى إسرائيل كثيراً بالصواريخ الأخرى الموجودة بالفعل فى حوزة حزب الله- على كثرتها- بسبب انعدام دقتها، ما يجعلها تحيد فى الغالب عن أهدافها، وتسقط بعيداً فى البحر أو فى الصحراء.
لكن أجهزة التوجيه التى توصل إليها الإيرانيون هى ما يخيف القادة فى إسرائيل، إذ إنه، ومع امتلاك إسرائيل لسلاح دفاع جوى قوى وفعال، إلا أن إفلات عشرات الصواريخ من القبة الحديدية كفيل بإحداث دمار عظيم فى أهداف حساسة، ولعل قصف حزب الله اليومى للمواقع الإسرائيلية، وإدراك تل أبيب لفعالية صواريخ بركان وأفق الجديدة، هو ما يحمى بيروت من مصير غزة وليس شىء آخر.