فى الجُب العميق

فى الجُب العميق

فى الجُب العميق

 العرب اليوم -

فى الجُب العميق

بقلم - أسامة غريب

فى مطعم شعبى بشارع شبرا جلست أتشمم روائح الطعام التى تأخذ اللب. المطعم صغير فى المساحة ويضم أربع طاولات فقط، وهو متخصص فى الطبيخ والطواجن التى ترُد الروح. والغريب أنه رغم جودة طعامه فإنه لا يبالغ فى الأسعار كما يفعل غيره، وبصراحة لقد أسعدنى أنه غير مشهور حتى لا يقتحمه كل من هب ودب فيفسده علينا. ونظرًا لضيق المكان فقد شاركنى المائدة رجل بجلباب تبدو على وجهه علامات الطيبة، لم يتردد فى فتح حوار عن الأكل ومدارسه والمطاعم وأنواعها. طلبت زوجًا من الحمام المشوى وطلب رفيق المائدة طاجن بطاطس باللحم، وطاجن عكاوى مع شوربة وأرز وسلاطة. فى انتظار الحمام جلست أرقبه وهو يترك الأكل كله ويُقبل فى تلذذ على طبق الأرز بالشعرية. كان يأكل ويضحك ويلقى النكات فى نفس الوقت. لاحظت أنه يأكل أرزًا فقط.. لا يضيف إليه الطبيخ ولا اللحم ولا السلاطة، حتى الشوربة أهملها وانكفأ على الأرز المفلفل. بعد أن أفنى الطبق طلب واحدًا آخر. انشغلت بتناول الحمام الذى وصل، لكنى عاودت مطالعة الرجل فوجدته بدأ يمزج اللحم والخضار بالأرز، وكان واضحًا أنه يقضى وقتًا سعيدًا. قلت له: رأيتك تأكل الأرز فقط..

يبدو أنك كنت سارحًا فنسيت وجود أصناف أخرى أمامك. ضحك قائلًا: أبدًا وحياتك لم أنس، لكن للأكل أصول، وتناول الطعام يحتاج للمفهومية، والأمر ليس مجرد إلقاء الأكل فى الجب العميق المسمى بالمعدة. أعجبنى كلامه فأعطيته أذنى ليشرح.. قال: لماذا يطلب الناس المخلل والسلاطة إلى جوار الطعام؟، هممت بفتح فمى للإجابة لكنه لم ينتظر.. قال: لفتح الشهية طبعًا، لكن ماذا لو كان الأكل شهيًا ولا يحتاج إلى محفزات؟، ما الذى يجعلك تقحم فواتح الشهية على طعام هو بطبعه لذيذ ومكْتَفٍ بذاته؟، إن طبق الأرز هذا هو من أجمل ما يقدم هذا المطعم.. هل تصدق أننى أنزل من بيتى المجاور وآتى إلى هنا من أجل الأرز؟!. نظرت إليه فى دهشة فأكمل: إن خلط الأرز بالخضار يضيّع طعم الأرز ويفسده، والواجب أن أبدأ به قبل أن يبرد. قلت له: وماذا عن الشوربة.. أو ليست مخلوقة للافتتاح؟، قال فى جدية: من الذى أخبرك بهذا؟..هل هو قانون؟.. هل مذكور فى تذكرة داوود الأنطاكى؟، إن البدء بالشوربة مجرد تقليعة غربية غير مُلزمة، ولعلك تلاحظ أننى دخلت فى طبق الأرز الثانى، لكن هنا قد آن أوان المُحسنات البديعية من عكاوى وبطاطس وشوربة وسلاطة لأن الشهية بدأت تفتر وتحتاج إلى ما يوقظ همتها. نظرت إلى الرجل ذى الجلباب الشعبى فى تعجب.. أدركت أننى بإزاء رجل حكيم يعرف لكل شىء موعدًا، ولديه بوصلة ذاتية تحدد له ما يمتع ويسعد، ثم تقود خطاه نحوه. الغريب أن المطاعم بأنواعها عرّفتنى على حكماء داخل مصر وخارجها، ويبدو أن للطعام أسرارًا وأنه فعلًا ليس مجرد طحن وهرس ثم إلقاء فى الجُب العميق

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فى الجُب العميق فى الجُب العميق



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

أحمد حلمي يكشف تفاصيل لقائه بتركي آل الشيخ وجيسون ستاثام
 العرب اليوم - أحمد حلمي يكشف تفاصيل لقائه بتركي آل الشيخ وجيسون ستاثام

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس

GMT 07:06 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 6 في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين بغزة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab