بقلم - أسامة غريب
لا شك أن إسرائيل قد تيقنت، بعدما يقرب من ثلاثة شهور من العدوان الشرس ضد الفلسطينيين، أن الأسرى لن يتم تحريرهم بالقوة، ولقد عجز الجيش فائق التسليح بكتائب نخبته عن تحرير أسير واحد طوال هذه المدة، وكل ما أمكن للمجهود الحربى الصهيونى أن يفعله هو قتل بعض أسراه عوضًا عن استعادتهم، ومن الواضح أن مبدأ هانيبعل الإسرائيلى قد تم تفعيله، وهو يقضى بقتل جنودهم الأسرى إذا عجزوا عن تحريرهم، وواضح أن اليأس قد دب فى أوصال آلة الحرب الصهيونية بالنسبة لموضوع الأسرى، فاعتبروهم قتلى حتى ينزعوا من يد المقاومة ورقة تفاوضية مهمة، وما الحديث عن صفقة ستتم قريبًا للتبادل بين الجانبين إلا مجرد مخدر يتم إطلاقه فى وجه أهالى المحتجزين، الذين يسببون صداعًا لنتنياهو ومجلس حربه، لكن الحقيقة أن وحوش اليمين المتطرف يفضلون شرب دماء الغزاويين أكثر من رغبتهم فى استرداد أبنائهم. ولعل هذا يجيب عن سؤال: لماذا يستمر العدوان فى خان يونس ورفح والشجاعية وجباليا مادامت نتائجه ستكون سلبية؟.
يمكننا فى هذا الصدد أن نضيف أن التوغل والقصف وكل الدمار والموت وإطلاق اليد فى استخدام الأسلحة الفتاكة فى ساحة المعركة على أهداف مدنية غير محمية هى المرحلة الأخيرة فى حملة التطهير العرقى للفلسطينيين المستمرة منذ عقود. العدوان المستمر بإصرار شديد يتعلق بخلق بيئة غير صالحة للحياة وغير قابلة لإعادة الإعمار.. بيئة قذرة وأحياء فقيرة خارجة عن القانون فى القطاع وكذلك فى الضفة الغربية، حيث تكون حياة الفلسطينيين جحيمًا فى أوقات السلم، وهذا يتصل بالعمل على بناء سلسلة من الجيوب المُسوَّرة وفرضها كواقع حياة على الفلسطينيين، حيث تكون للجيش الإسرائيلى القدرة على الإيقاف الفورى فى أى وقت لحركة البشر ودخول الغذاء والدواء وباقى السلع، وذلك لإدامة البؤس وجعله طبيعيًّا!. إن التاريخ سيسجل أن إسرائيل النووية تستخدم طائرات هجومية متطورة وسفنًا بحرية ومدفعية ثقيلة ودبابات مصفحة لقصف مخيمات اللاجئين المزدحمة بالبشر وضرب المدارس والمستشفيات والمساجد والأحياء الفقيرة لسكان القطاع الصغير، الذين ليس لديهم قوة جوية ولا دفاع جوى ولا بحرية ولا أسلحة ثقيلة، لا وحدات مدفعية ولا دروع آلية، لا قيادة وسيطرة ولا جيش، ورغم ذلك يطلقون على مذبحتهم اسم الحرب.. إنها ليست حربًا، إنه القتل والإبادة الجماعية فى أوضح أشكالها.
إن إسرائيل صارت قوة متوحشة منفلتة لم تعد تأبه لأن يرى العالم صور الأطفال الفلسطينيين القتلى مصطفين كما لو كانوا نائمين على أرضية الساحات الخلفية للمستشفيات التى دمرها الجيش الإرهابى. ومع ذلك فكل هذه الوحشية والإساءة والعنف العشوائى لن تحقق لإسرائيل الأمن، لكنها ستخلق رِدّات فعل لا نهائية.. الأم والأب اللذان يموت طفلهما بقصف صاروخى أو بسبب الجوع أو لنقص اللقاحات أو الرعاية الطبية لن ينسيا، والصبى الذى يشهد إهانة أمه على أحد حواجز التفتيش لن ينسى. لقد تم شحن الذاكرة الجمعية الفلسطينية بما سيجعل حلم إسرائيل بالأمن سرابًا مؤكدًا.