بقلم - أسامة غريب
إذا حاولت أن تقنع شخصًا طيبًا بأن يرتكب جريمة قتل، فإنه سوف يفزع من الفكرة وسينظر إليك كأنك مجنون، وفى الغالب سيبتعد عنك ويقاطعك من باب «وإن خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا». لكن ماذا تقول إذا علمت أن نفس هذا الشخص الطيب الذى ارتعد من فكرتك الشاذة قد قام بعد سنوات بالسفر إلى سوريا وانخرط هناك فى قتال وقتل أناس لا يعرفهم ولم يسيئوا إليه!. ما الذى قد يكون حدث لهذا الرجل وحوّله إلى قاتل؟. الذى حدث أنه تديّن!. هل المشكلة فى الدين؟. بالطبع لا. المشكلة فى فصيل المتدينين الذين وقع الرجل فى أيديهم، فاشتغلوا عليه بكل أنواع الاستمالات، التى تلغى العقل وتطمس البصيرة وتضع الإنسانية فى الثلاجة.
رجل آخر لطيف ورومانسى بطبعه، يحب أسرته الصغيرة ولا يعدل بها شيئًا، لدرجة أنه يتمنى أن يجتمع بزوجته فى الآخرة، ويستكمل هناك قصة الحب التى بدأها فى الدنيا. هل تظن أن شخصًا كهذا قد ينفض مشاعر الحب، ويفتح فى خياله بابًا للشهوات الجامحة، وينصرف عن الزوجة الجميلة التى شاركته أجمل الأيام؟. نعم، يمكن أن يحدث هذا للشخص الطبيعى الودود إذا ما تديّن؟. هل العيب فى الدين؟. قطعًا لا. العيب فى فصيل المتدينين الذين وقع بين براثنهم، فحبّبوا إليه الزواج بطفلة، وأقنعوه بحلاوة البيدوفيليا، كما أشعلوا خياله بقصصٍ عن نصيبه من النساء الجميلات فى الجنة، والفحولة الأبدية التى سيكون عليها هناك!.
رجل ثالث ماتت زوجته، وتركته محطمًا بعد عِشرة العمر الجميلة.. كيف استطاع بكل ثبات أن يقف فى الجنازة مرددًا دعاء يقول: اللهم أبدلها دارًا خيرًا من دارها وأهلًا خيرًا من أهلها وزوجًا خيرًا من زوجها؟. كيف ينخرط فى ترديد هذا الكلام، الذى إذا استجاب له الله فإن هذا يعنى ذهاب زوجته إلى رجل آخر، وحرمان أولادها منها، بعد أن تحصل على عيال أفضل منهم!. الحقيقة أن التدين الشعبى الرث هو الذى يجعل من مثل هذه الأدعية الغريبة أيقونات ينبغى على المؤمن أن يرددها متصورًا أنها أدعية نبيلة على روح المرحوم أو المرحومة.. مع أن الدعاء بالرحمة يكفى وزيادة، دون الدخول فى تمنيات مؤلمة يضطرون من أجل تبريرها- إذا ما عاتبهم أحد العقلاء- إلى استحضار تفسيرات لولبية ما أنزل الله بها من سلطان!. الدين فى شكله البسيط بعيدًا عن رجال الدين هو رسالة محبة وسماحة وسلام، والناس إذا تُركت لشأنها دون العبث بعقولها ستنفر من ارتكاب جرائم القتل إذا دُعيت إليها تحت أى لافتة، وستفزع من فكرة الاستيلاء على طفلة، والذهاب بها إلى منزل الزوجية، وسوف تقابل فكرة الفتيات الجميلات كمكافأة للمؤمنين فى الآخرة بابتسامة.. والناس لو تُركت لشأنها سوف تطرد الشخص الذى يدعو للميت بأن يحرمه الله من أهله ويمنحه أناسًا آخرين لم يطلبهم ولا يرغب فيهم!.
اتركوا الناس فى حالهم، وسوف تختفى معظم المشكلات، التى لم تكن لتنشأ لولا أنكم عرضتم خدماتكم، التى لا يحتاجها أحد