بقلم - أسامة غريب
كنت فى ضيافة أحد الأصدقاء فى حفل ضم مجموعة من المصريين فى عاصمة غربية، وكان أحد أعضاء البعثة الدبلوماسية يجول بين الضيوف مرحبًا بهم وكأنه صاحب الحفل رغم أنه كان مدعوًّا مثلنا. لاحظت أن الأخ يتحرك وتتبعه زوجته، التى بدا من نظرات عينيها أنها مأخوذة بزوجها، الذى وقف بجوار كل مائدة متحدثاً فى موضوع ثم ينتقل إلى طاولة أخرى ويلقى نكتة أو «إفيه» وهكذا. كل هذا وزوجته ملتصقة به وكأنها تخشى أن تضل إذا غاب!.
قال صاحب الحفل مخاطبًا ضيوفه: لقد نسيت أن أقول لكم إن فلان بك، الذى يملأ سهرتنا أنسًا وبشرًا هو شاعر أيضًا، ولعل بعضكم قد قرأ له. نظرت نحوه وقلبت اسمه بين شفتىَّ عسى أن أتذكر إذا كنت قد سمعت به من قبل. قال المضيف: أود أن أنتهز الفرصة وأطلب من شاعرنا الكبير أن يُسمعنا شيئًا من أشعاره. رفع صاحبنا رأسه لأعلى وحرّكها فى استدارة كاملة ليتابع تأثير تقديم صاحب الحفل له على وجوهنا، ويبدو أنه انشكح لعبارات المجاملة، التى تناثرت حوله من الحاضرين، الذين أكد بعضهم معرفتهم به كشاعر من خلال بعض أشعاره!.
أُصبت بدهشة، إذ إن معرفتى بالشعر والشعراء ليست قليلة، ولو كان من بين الحضور مَن تحمل ذاكرته آلاف الأبيات من الشعر لعشرات الشعراء فهو العبد لله وليس أحدًا آخر، ثم رجحت أنهم لا يعرفونه، لكن المجاملة تدفعهم إلى تقريظه. لاحظت الأخ يتحرك بخفة، فلما توسط المكان أخذ يتنحنح ثم قال: سأُسمعكم الآن جزءًا من قصيدة غنتها المطربة نجاح سلام من أشعارى: من سحر عينيك الأمان الأمان. يا ظالمى أين الحنان؟. فداك نور عيونى.. يا لوعتى وحنينى.. يا فرحتى وظنونى. كن لى على طول الزمان. أنا وأنت عاشقان. وبيننا حكايتان. من سحر عينيك الأمان. تنبهت حواسى بشدة وأنا أستمع للأبيات، التى أخذها صاحبنا من الشاعر فاروق شوشة، وهى القصيدة التى لحنها رياض السنباطى، ولعلى لا يمكن أن أنسى هذا الأمر لأننى دخلت فى مجادلة مع الأستاذ شوشة وقت أن كان يدرّس لى مادة الإلقاء بكلية الإعلام، وتحدثت معه عن القصيدة الأصلية للشاعر ابن النبيه، والتى يقول فيها: من سحر عينيكِ الأمانَ الأمانْ.. قَتَلْت ربَ السيفِ والطيلسان. يا لائمى دعنى فإنى فتىً.. ما ترك الحب بقلبى مكان.
لمحت زوجة الشاعر المزعوم تنظر نحوه فى انبهار كالمسحورة، وتمسك يده، ثم ترفعها، وتلثمها، وكأنها تشكر الله الذى وهبها هذا الرجل!. ثارت فى داخلى عاصفة.. هذا الشخص يخدع هؤلاء الناس، وينال ثناء غير مستحق، ويحظى بمشاعر فياضة من زوجة عاشقة، لا تعرف أن الزوج الحبّوب يخدعهم.. إن بإمكانى أن أوقف هذه المهزلة وأخبرهم بحقيقة الأمر، لكن لا.. لن أفعل. لقد فرملت نفسى، وقررت للمرة الأولى أن أرجّح أن يكون الإنسان لطيفًا بدلًا من أن يكون على حق.. فعلت هذا من أجل الزوجة الغلبانة لا من أجله هو. سلّمتُ على صاحب الحفل، وانصرفتُ فى هدوء