بقلم:أسامة غريب
رغم رحيل ملوك الغناء، أمثال أم كلثوم وعبد الوهاب وفريد وعبد الحليم ومحمد فوزى، إلا أن الحديث عنهم لا ينقطع على صفحات الجرائد والمجلات، وفى وسائل التواصل الاجتماعى.
ومن وقت إلى آخر يثور السؤال: لماذا لم يغن حليم من ألحان فريد الأطرش؟، وكذلك لماذا لم تجمعه أغنية بلحن لمحمد فوزى؟، وعند الإجابة عن السؤال دائمًا ما يظهر حديث عن مؤامرات خفية وضرب تحت الحزام وجهات شريرة لم تشأ أن تظهر ألحان تجمع بين قمم الغناء والتلحين.
لكن حقيقة الأمر أن فوزى لم يلحن لعبد الحليم لأنه لم يكن مشغولًا أبدًا بتقديم ألحانه إلى المطربين الرجال الذين ينافسونه، وأغلبهم يلحن لنفسه، لكنه قدم ألحانه بسخاء للسيدات أمثال ليلى مراد ونور الهدى ونجاة على وصباح وشادية ونازك ونجاة الصغيرة وفايزة ووردة، بينما ضنّ بفنه على الرجال، ولم يقدم لهم شيئًا باستثناء أغنية لعبد المطلب وأخرى لمحمد قنديل تقريبًا.
نفس الأمر بالنسبة لفريد الذى كان تلحينه لنفسه هو الأساس، مع مساندة المطربات بطلات أفلامه. لكن إذا كان الأمر كذلك، فلماذا عاش فريد لسنوات وهو يشعر بغصة، لأن أم كلثوم وعبد الحليم لا يطلبان منه ألحانًا ولا يرحب أى منهما بالتعاون الفنى معه؟، فى اعتقادى أن الحرب الشعواء التى تعرض لها فريد فى الوسط الفنى أفقدته الثقة فى نفسه، وجعلته يرغب فى التحقق من خلال التلحين للغير، وهو الأمر الذى لم يكن يشغله فى فترة الأربعينيات والخمسينيات، قبل ظهور عبد الحليم، وقبل تعاون أم كلثوم مع الملحنين الشبان. هذه الهزة النفسية جعلته يفرح بالتلحين لمحمد رشدى ومحرم فؤاد!.
لكن إذا أدخلنا الجمهور فى هذه المعادلة فإننا سنرى أن موقف الجمهور من فريد الأطرش اختلف عن موقفه من عبد الحليم وعبد الوهاب وأم كلثوم ومحمد فوزى، فالناس جميعًا تعشق الأسماء السالفة بلا تحفظ، لكن بالنسبة لفريد فقد انقسم الجمهور إزاءه إلى جانب يحبه بجنون ويتبعه حيثما رحل، وجانب آخر لا يتحمس له، بل ويسخر من طريقته فى الأداء.
ومن سوء الطالع أن بعض الفنانين كانت نظرتهم لفريد غير إيجابية، وكانت آراؤهم الحقيقية التى يعبرون عنها بعيدًا عن وسائل الإعلام تشى بعدم إعجاب بعالم فريد الفنى ومفرداته وجمله اللحنية وغنائه، ويقال إن عبد الوهاب كان سببًا فى انتشار هذه الرؤية بين الفنانين، وأنه كان يشجع فى مجالسه على السخرية من فريد، رغم أنه لم يتورط فى هذا بشكل مباشر، وإنما كان يشارك بالضحك فقط!.
ومع ذلك فإن ذلك الجانب من الجمهور العاشق لفريد نجح فى تتويجه وسلطنته ورفعه عاليًا، فكان اسمه فى الأفلام يُكتب قبل أى اسم ولو كان فاتن حمامة، وكان أجره أعلى من أى أحد آخر، وكانت أفلامه وحفلاته، التى تثير سخرية حليم وعبد الوهاب وأم كلثوم، تحقق أعلى الإيرادات وتحقق للمنتجين أكبر المكاسب، وربما أن هذا ما كتب له الخلود والمكانة فى دولة الغناء العربى رغم أنف المتنمرين!.