بقلم - أسامة غريب
فى طريق العودة من بيت موفق بن مشمشة كان شرحبيل يشعر بالحيرة، وقد صارح حمامة الفلايكى بأن هذه الزيارة كانت صادمة.. لقد ذهب بغرض التماس المال لمساعدة نوسة فى القضية فخرج من هناك وقد أصبح شريكًا فى التخطيط لجريمة سرقة بنك. قال حمامة: أنا نفسى فوجئت بهذا المخطط وكنت أظن الرجل سيمنحنا قرضًا بشروط ميسرة.
– لن نتسرع فى اتخاذ القرار ولا بد من الذهاب للقهوة وهناك يأتى الإلهام والحلول الناجعة. سكت حمامة قليلًا ثم استطرد: لم يكن موضوع سرقة البنك هو المفاجأة الوحيدة هناك، ولكن معرفة القصة القديمة بين أمك وموفق بن مشمشة. قال شرحبيل فى أسى: لقد ضايقنى ذكره لحكاية سوق ستوتة وهى حكاية قديمة يعايرها بها زوجها حتى الآن، وإن كانت رفضت أن تحكى لى عنها. قال حمامة: لن تكون حكاية مختلفة عن بقية حكاياتها يا صاحبى.. إن نوسة هى آلة عشق دائرة على الدوام، وإنى كثيرًا ما تساءلت: ألا تهدأ هذه المرأة أبدًا أو تتوقف عن الانغماس فى الغرام؟. لقد وصل بها الأمر لأن تعشق إسماعيل بالونة ثم تُتهم بقتله.. كل هذا وهى على ذمة رجل طويل عريض هو إبراهيم كازوز!. قال شرحبيل: لقد أوضحت لك سابقًا أن قلب نوسة خفيف وهى توزع الحب على العطاشى والذين شخرمتهم الأيام، وفى ظنى أنها تتأسى فى هذا بكبار الصوفية ومنهم القائل: أدين بدين الحب... ألا تعرفه يا حمامة.. إنه الحلاج. ضحك الفلايكى ساخرًا: أمك تصاحب الحرامية والمجرمين وهى على ذمة نطع، وأنت تقول إن فضائحها تأتى تأسيًا بأعلام الصوفية؟.. ارتبك شرحبيل فعاجله حمامة: ثم إن قائل هذا البيت هو ابن عربى وليس الحلاج وهو تتمة لأبيات تقول: «لقد كنتُ قبل اليوم أنكر صاحبى.. إذا لم يكن دينى إلى دينه دانِ. وقد صار قلبى قابلًا كلَ صورةٍ.. فمرعى لغزلانٍ وديرٌ لرهبانِ. وبيتٌ لأوثانٍ وكعبةُ طائفٍ.. وألواح توراةٍ ومصحف قرآنِ. أدين بدين الحب أنى توجهَتْ.. ركائبه فالحب دينى وإيمانى». هنا لم يتمالك شرحبيل نفسه فصاح متهللًا: الله عليك يا حمامة يا أستاذ الجيل.. إننى أنحنى لثقافتك الرفيعة ولا أبالى بما قاله نعيم شمبانزى عنك!.
– وماذا قال هذا المرابى عنى؟.
– قال إنك من كبار الفلاسفة رغم أن منظرك يوحى بأنك لا تساوى تلاتة تعريفة!.
– شكرًا يا شرحبيل على الإطراء والسفالة!.
وصل الصديقان إلى القهوة وما إن اتخذا مقعدين وطلبا شايًا حتى قال حمامة: ما رأيك يا شرحبيل فى المدعو زكى موز؟.. إننى لم أرتح له بالمرة. رد ابن نوسة: معك حق.. شكله مريب ولا بد أن عنده دستة سوابق جنائية على الأقل.
– يقول موفق بن مشمشة إنه خبير خزائن، ولكن قد تنفلت الأمور ونروح فى الكازوزة.
– عند إبراهيم كازوز؟
– نعم.
– ماذا نفعل إذن يا فلايكى؟.
أطرق حمامة مفكرًا ثم رفع رأسه قائلًا: لن نشارك فى سرقة البنك.. لقد ندمت على الاتصال بشيخ المنسر ابن مشمشة، ثم إن مستواى لا يسمح لى بالتعامل مع شخص اسمه زكى موز!.