بقلم: أسامة غريب
وضع شرحبيل بن نوسة الشيشة جانبا، ونادى على صبى القهوة ليرفع الأكواب والفناجين حتى يخلى الترابيزة تمهيدا لطلب طعام الغداء. كان يجلس معه حمامة الفلايكى إلى جانب زوج أمه إبراهيم كازوز، وكذلك نعيم شمبانزى، صاحب دكان البقالة. قال شرحبيل: ما رأيكم فى أن أطلب عشرة أرغفة حواوشى مع طقم مخلل من عند سعيد معزة؟. انتفض إبراهيم كازوز قائلاً: كله إلا سعيد معزة.. ألا تعرفون أنه يطعمكم لحم حمير، أم أنكم تعرفون وتتظاهرون بالجهل حتى يسهل عليكم أكل الحواوشى اللذيذ؟. سرت همهمة بين الجالسين حسمها حمامة الفلايكى الذى قال ضاحكا: عجيب أمركم يا قوم، ومعلوماتكم عما يجرى فى دنيا الطعام محدودة وقديمة. صاح إبراهيم كازوز: هل تنفى يا حمامة أن هذا الملعون يبيع لحم حمير؟. قال الفلايكى: إننى مندهش من أن هذا الرجل حصل على لقبه فى الزمن البعيد انطلاقا من أنه كان يصنع النيفة من لحم المعيز، ولهذا صار اسمه سعيد معزة، واليوم لا أدرى ماذا يجدر بنا أن نسميه!. قال نعيم شمبانزى: إذا كنتم تنوون تغيير اسمه بناء على المعطيات الجديدة، أفلا تتأدبون معى أنا أيضا وتمنحونى اسما جديدا خلاف نعيم شمبانزى؟.
قال شرحبيل: إن حمامة هو الذى منحك اللقب، ولو أنه شعر بوجود معطيات جديدة لقام بتغيير الاسم، لكن يبدو أن الأسباب القديمة الخاصة بسحنتك مازالت كما هى!. سكت نعيم على مضض، بينما أخذ حمامة يشرح الأمر قائلا: لقد بدأ مشروع الحواوشى زمان فى التوفيقية بنزاهة وشرف عند الرجل الذى ابتدع الأكلة، وكان عمادها الأساسى هو اللحمة المفرومة الطبيعية، لكن طمع الدنيا ودخول ولاد الحرام فى اللعبة جعلهم يقللون من اللحم ويزيدون من الدهون والتوابل حتى تتعاظم المكاسب.
بعد ذلك زادت الدنيا الضيقة ضيقا، فدخلت عناصر جديدة فى مكونات الرغيف، أهمها لحم الحمير، لكن مع الوقت أصبح سعر الحمار فوق طاقة محلات وعربات الحواوشى، فلجأوا إلى الكلاب التى تميزت بأن الحصول عليها مجانى أو قليل التكلفة، لكن محلات الكباب التى اعتمدت على لحم الكلاب الشبيه بالضانى جعلت الحصول على كلب محترم كالحصول على الماء فى الصحراء، هنا فكر الحواوشية فى القطط كبديل، لكن اصطياد القطط لم يكن سهلا، ودائما ما أصيب الصياد بجروح وخدوش وهو يحاول إخضاع القطة، فضلا عن صوت المواء الحزين الذى يقطع نياط القلب.. أما الفئران والعِرَس فهى تدخل المفارم صدفة ولا يمكن الاعتماد عليها. قال حمامة هذا ثم نظر إلى المستمعين الذين أنصتوا باهتمام وأردف: الآن لا الحمير ولا الكلاب ولا القطط تسمح ببيع الرغيف بسبعة جنيه. قال نعيم: ماذا يطعموننا إذن يا فلايكى؟ قال حمامة الآن يفرمون الكرتون.. صناديق الكرتون الخاصة بالبيض وغيره يفرمونها مع منحها لونا أحمر وإضافة بعض الشغت والدهن والعظام المفرومة.. هذا هو الحواوشى الموجود فى الأسواق الآن. بعد أن فرغ حمامة من الشرح أشار شرحبيل لصبى القهوة وقال له: اذهب إلى سعيد معزة وهات لنا عشرة أرغفة حواوشى واطلب منه يقلل الكرتون ويزود الدهن!.