بقلم:أسامة غريب
الفوانيس أنواع، أشهرها وأكثرها انتشارًا هو الفانوس الصينى الذى غزا بلادنا منذ سنوات، ومع ذلك ما زلت على ولائى للفانوس القديم الذى لعبت به صغيرًا، لذلك فقد نزلت ذات يوم ومعى ابنى الصغير لأشترى له فانوس رمضان من ميدان العتبة. هناك يوجد بائع أعرفه منذ كان والدى يصطحبنى إليه لشراء الفانوس. فى ذلك اليوم التقيت مصادفة فى طريق العودة بأحد المعارف القدامى، وكنت قد عرفته فى كندا حين كان يدرس للدكتوراه على حساب مصر. بعد السلام والتحية لمحت آثار دهشة على وجهه وهو يردد نظراته بينى وبين الفانوس المتدلى من يدى.
سألته: ماذا يدهشك؟، قال: غريب جدًا أن أرى مثقفًا طليعيًا مثلك يتعاطى مع مثل هذه الأفكار المتعلقة بالفوانيس والأشياء المرتبطة بأهل الجهالة والشعوذة!. قال هذا وأضاف: كنت أظنك تحرص على غرس قيم وأفكار أخرى فى أذهان عيالك تختلف عن تلك التى توارثتها عن أبيك وجدك!. الحقيقة أن كلامه أربكنى وأصابنى بالغم، فقلت له: أولًا أنا لست مثقفًا طليعيًا بمفهومك.. ثانيا.. هل يمس طليعيتك الرهيفة أن تشترى لأولادك فوانيس فى رمضان؟.
رد فى زهو: أنا لم أفعلها مطلقًا، ثم أردف متهكمًا: ينقص أن تسألنى إذا كنت أشترى علبة حلويات فى مولد النبى!. ظللت أنظر إليه فى صمت وكنت أقلب فى رأسى عدة ردود على سخافاته، ثم حسمت أمرى وقررت أن أمنحه ابتسامة شفقة قبل أن أعطيه ظهرى منصرفًا بلا كلام ولا سلام، وفى يدى الفانوس الجميل وفى اليد الأخرى ولدى.. صاحب الفانوس. لم يكن شعورى بالاشمئزاز منه نابعًا من جهله وفظاظته فقط، وإنما من كونه يظن نفسه مثقفًا كبيرًا، وعليه فقد أغلق بيده الباب الذى كان يمكن أن يسمح لى أو لغيرى بتربيته وتعليمه!.. هذا المغفل يعتقد أن انتساب الواحد منا إلى تراث أهله المبهج الذى لا يؤذى أحدًا ولا ينال من الشغف بالعلم والعدل والحرية.. يظنه تخلفًا ومجاراة لطقوس لا فائدة منها، ويتصور أننا لو توقفنا عن الاحتفال برمضان وعن تناول طبق العاشورة وشراء العروسة والحصان والسهر فى مولد الحسين، فإننا سنصير جزءًا من العالم المتقدم!.. لا يفهم الأفندى أننا لو فعلنا ذلك مع الاستمرار فى نفس الحال من غياب كل ما يحلم به الإنسان الطبيعى من حقوق، فإننا لن نصبح سويسرا لكن قد نصبح كوريا الشمالية!.
والعجيب أن هذا الشخص نفسه كان أثناء سنواته التى قضاها فى الغرب يتقرب إلى جيرانه الذين يشعر نحوهم بالانسحاق بالمشاركة فى الاحتفال بالهالوين، وكان يستعد للكريسماس باقتناء شجرة رخيصة لعيد الميلاد!، ورغم إقامته الطويلة بمعقل العلوم والآداب والفنون فإنه لم يتعلم من الحياة هناك غير أن المرحاض يجب أن يخلو من الشطاف الذى يميز الحمامات فى البلاد المتخلفة!. وأذكر أنه قضى فترة يحاول إقناع أصدقائه بالفكرة، ولم يدرك أبدًا أن أفكاره الفالصو لم تجعله جزءًا من نسيج جيرانه الغربيين، بل جعلته مسخًا يثير رثاءهم قبل غيرهم!.