بقلم : أسامة غريب
يدرك العارفون بشخصية الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أن الرجل يهوى الصدام مع الحلفاء، وكثيرًا ما يتصرف بمعزل عنهم على نحو يلحق بهم أضرارًا دون التشاور أو الاتفاق. هذا فى الوقت الذى يكون فى غاية اللطف والتفاهم مع من يفترض أنهم خصوم وأعداء، ومن هذا تعامله مع بوتين وكيم جونج أون. ومن الواضح أن أوروبا فى حالة صدمة من اتصال ترامب بالرئيس الروسى والذى اتفقا فيه على اللقاء قريبًا فى الرياض. لم يستشر حلفاءه أو ينسق معهم قبل أن يحدد أن أوكرانيا لن تكون فى حلف الناتو، وأن التسوية تقتضى بقاء أراض أوكرانية فى حوزة روسيا.
مقالات متعلقة
بهلوان البيت الأبيض
آه عليك مشغول
المستشار الألمانى شولتز والرئيس الفرنسى ماكرون هما أكبر المصدومين، ذلك أنهما أكثر من غاص وتورط فى الصراع وضحّى بمصالح كثيرة مع موسكو على أمل فرض إرادة الغرب ومنع بوتين من تحقيق النصر. الغضب الأوروبى يعود أيضًا إلى أن واشنطن هى التى دفعت إلى الحرب منذ البداية وقادت الدول الأوروبية نحو التشدد وقامت بتفجير أنبوب السيل الشمالى للغاز لتمنع ألمانيا وفرنسا من الحصول على الغاز الرخيص، ولو أن الأوروبيين تُركوا لاختيار موقفهم الخاص من الصراع لما دخلت القارة العجوز فى حرب استنزاف مع روسيا، ولأمكن التفاهم مع بوتين قبل أن تستفحل الأضرار.. لكن بايدن هو مُشعل هذه الحرب، وهو الذى كسر خطوط روسيا الحمر خطًا بعد خط وشجع الأوروبيين على تزويد الجيش الأوكرانى بالصواريخ بعيدة المدى، حتى وصل إلى توريط كييف فى قصف العمق الروسى، كما رفض كل محاولات حل الصراع من خلال التفاوض.
واليوم، تجد أوروبا نفسها مطعونة من الأمريكان بعد أن أفقدها ترامب الأوراق التى كان يمكن أن تستعملها فى التفاوض. ولعل الموقف القوى والتصريحات العلنية للمستشار الألمانى والرئيس الفرنسى حول غزة وخطة التطهير العرقى وتهجير الفلسطينيين.. لعل الرفض الأوروبى لخطة ترامب يعود للغضب من سيد البيت الأبيض أكثر منه رغبة فى إنصاف الفلسطينيين؛ حيث إنهم كانوا شركاء فى المذبحة منذ البداية.
تعرف أوروبا أنها لن تستطيع المضى فى مساندة أوكرانيا عسكريًا دون العون الأمريكى، وتخشى أن كل الآمال التى كانت تحدوها بانكسار الروس وفرض الهزيمة عليهم قد أصبحت أضغاث أحلام.
يثير حنق القادة الأوروبيين أيضًا أن التفاهم مع بوتين وهو مدعوم من صديقه الجديد ساكن المكتب البيضاوى سيكون من موقع الضعف، وأن الروس سوف يستعيدون أموالهم وأرصدتهم التى تمت مصادرتها، كما أن التفاوض معهم حول مصادر الطاقة وبناء أنبوب الغاز من جديد سينطلق من معطيات جديدة بين دولة خرجت من الحرب منتصرة ودول خذلها الضلع الأكبر والأقوى فى التحالف وجعلها فى موقف لا تحسد عليه.
ومن الوارد أن تقوض هذه السياسة الأمريكية الجديدة حلف الناتو وتعيد إلى أوروبا فكرة بناء قوة مستقلة، وهى الفكرة التى طرحها الرئيس الفرنسى وتحمست لها ألمانيا، قبل أن يقوم بايدن بوأدها فى المهد.