بقلم:أسامة غريب
الناس في بلاد ربنا الطبيعية تمارس الفن وتستمتع به، ومع ذلك لن تجد أبدًا هناك من يؤكد لك أن الفن حلال. من الممكن في الغرب أن تجد مطاعم وعربات تبيع الساندويتشات مكتوبا عليها «حلال»، وذلك من أجل اجتذاب شريحة مهمة من المستهلكين المسلمين الذين يعيشون هناك، وكذلك اجتذاب جانب من الغربيين أصبح يستسيغ الأكل الشرقى المرتبط بلافتة حلال. يمكن في الطعام أن يكون هناك حلال وحرام طبقًا لشرائع الناس سواء كانوا مسلمين أو يهودا، أما الفن فهو أمر مختلف.. الفن به الجيد وبه الردىء، لكن لا يوجد به حرام وحلال.
وربما تكون بعض الأفلام التي ظهرت في عصر انحسار الفن الجيد قد رفعت لافتة الفن النظيف تمييزًا له عن الفن غير النظيف الذي يضايق المؤمنين الجدد!. وهذه في الحقيقة صورة سيئة من صور التحايل لجأ إليها صانعو الفن الردىء من أجل الحصول على نصيب طيب من فلوس الجمهور الذي انحدر ذوقه وغاب عنه الوعى!، ولهذا فإننا أصبحنا نشاهد أفلامًا من أولها لآخرها عبارة عن رقص شرقى يشارك فيه الرجال قبل النساء، مع وجود مغنّ يرتدى بدلة حمراء أو فوسفورية ويظل يصرخ طوال الفيلم بغناء بذىء رقيع ركيك سيئ الكلمات وخال من الموسيقى، باستثناء الإيقاع الذي يرقص عليه البطل والبطلة وأصدقاؤهما، إلى جانب رواد دور العرض الذين يتمايلون على كراسيهم في توحد وجدانى مع الفيلم. نسيت أن أقول لكم إن هذا النوع من الأفلام الصاخبة البذيئة التي تم حشوها بكميات هائلة من لحم الأفخاذ والصدور تخلو من القبلات تمامًا لأن البوس عيب!.
يُقبل على هذا النوع من الأفلام المؤمنون الجدد الذين يعتقدون أن الفن حرام، ومع ذلك ولأجل الاستجابة لدواعى الإيمان فإنهم يرحبون بالفن النظيف الذي أسلفنا مواصفاته باعتباره مرحلة على طريق الهداية الكاملة، ويطلبون من الله أن يسامحهم أثناء هذه الفترة القلقة من حياتهم التي لم يتمكن فيها الإيمان تمامًا من القلوب، في انتظار الإيمان الكامل الذي سيأتى حتمًا والذى سوف يتبعه بيع التليفزيون ومقاطعة السينما وارتداء النقاب. ومن الغريب أنه أثناء الفترة القلقة التي يعيشها هؤلاء الناس لا يسمحون لأنفسهم برؤية فيلم لمحمد خان أو خيرى بشارة أو داوود عبدالسيد، لكن أفلامهم أثناءها لا تخرج عن أفلام المقاولات التي تتناول البلطجة وتروج للسلوك العنيف!.
ومن الطبيعى أن جمهورًا بهذا الشكل لا بد أنه يؤمن بأن الفنانين جميعًا سوف يذهبون إلى النار في الآخرة، وقد يتندرون بأن الذهاب لجهنم ليس بالبشاعة المتخيلة، إذ إن أساطين التمثيل والغناء والموسيقى والفن التشكيلى سيكونون هناك يملؤون المكان أنسًا وفرفشة!. عجيبة جدًا فكرة أن يحبك الناس وهم يظنون أنك من أهل جهنم.. الطبيعى أن يكرهوك، لكنهم في الحقيقة مشدودون ما بين الفطرة التي كانت سليمة وبين ما استمعوا إليه من تعاليم الدعاة الذين يأكلون ملبن من نشر الفكر المتطرف المعادى للحياة بين الناس!.