بقلم:أسامة غريب
لماذا يفرح معظم الناس حين يتم تقدير أعمارهم بأقل من الحقيقة؟، هل يتصورون أن صغر السن يحمل وعدًا بالسعادة؟، فى الحقيقة أن البشر يفزعون من التقدم فى السن لأن ذلك قد يعنى نهاية الرحلة ودنو الأجل، ولعل هذا يكون السبب فى جنوح الكثيرين نحو محاولات تصغير أنفسهم من خلال عمليات التجميل وشد الجلد وتركيب الشعر المستعار والزعم بأنهم أصغر مما هم عليه. هذا، ويمثل الفنان الأستاذ عبدالوهاب نموذجًا واضحًا لهذا السلوك، فقد سعى دائمًا لاختصار عشر سنوات على الأقل من سنه، فكتب فى الوثائق الرسمية أنه مولود عام 1910، بينما ميلاده الحقيقى كان عام 1900 أو قبلها بقليل. هذه المحاولة التى ظنها عبدالوهاب ناجحة كانت مكشوفة لأى ذى عينين، وكانت الوقائع التاريخية تدحضها، ومع ذلك لم يسعَ الفنان الكبير لرأب الصدع فى روايته وذكر حقيقة سنه!. عندما استضاف الكاتب سعدالدين وهبة الموسيقار عبدالوهاب فى حلقات تليفزيونية تم تسجيلها فى الثمانينيات كان واضحًا التناقض فى روايات عبدالوهاب عن بداياته ولقاءاته بشخصيات مثل أحمد شوقى وسيد درويش ومنيرة المهدية، وكان واضحًا الحرج الذى يشعر به الأستاذ وهبة وهو يستمع إلى عبدالوهاب يقول إن عمره كان ثلاث عشرة سنة عند وفاة سيد درويش عام 1923، بينما الثابت أنه التقى بسيد درويش قبلها بسنوات، وسمع منه ثناء على صوته، وطبيعى أنه كان شابًّا وقتئذ. كذلك لا يتحرج عبدالوهاب وهو يحكى كيف قام بالتلحين وتمثيل دور أنطونيو مع السيدة منيرة المهدية فى مسرحية كليوباترا..
لا يتحرج عندما يُذكِّره سعد الدين وهبة بأن هذا كان عام 1924، ومن غير المعقول أنه كان فى الرابعة عشرة من العمر وهو يمثل قصة حب على المسرح كل ليلة مع سلطانة الطرب!. لا يلتفت عبدالوهاب إلى هذا، ولا يشغله التناقض فى الأمر، وكذلك لا يُقلقه أن يحكى عن علاقته بأمير الشعراء، التى امتدت لآخر 15 سنة من عمر شوقى، يعنى بدأت تقريبًا عام 1917 واستمرت حتى وفاة شوقى عام 1932!.. هل يمكن أن يكون شوقى قد صاحب طفل فى سن السابعة وظل يصطحبه معه فى سفرياته لأوروبا ويقدمه إلى صفوة المجتمع ثم يقوم خصيصًا بتأليف أغنيات ليلحنها صديقه الطفل؟!. كل هذا كان يتجاهله عبدالوهاب ويقبل أن تكون رواياته عن هذه الفترة مليئة بالثقوب، لكنه لا يقبل أبدًا أن يرتق الروايات ويجعلها طبيعية بذكر سنه الحقيقية. ولم يكن عبدالوهاب وحيدًا فى هذا، وإنما فعل الأمر نفسه فريد الأطرش، الذى كرر فى أكثر من حديث إذاعى أنه من مواليد 1917 بالرغم من أن شقيقته الصغرى أسمهان مولودة عام 1912!. من الواضح أن السنوات العشر التى خصمها كل من عبدالوهاب وفريد من شهادة الميلاد كانت تعنى الكثير بالنسبة لهما على المستوى النفسى، رغم أن الحقيقة كانت مكشوفة ومعروفة