بقلم:أسامة غريب
الطائرة المسيرة اليمنية التى قصفت تل أبيب أصابت الكبرياء الإسرائيلى فى العصب، ذلك أن التفوق الجوى الإسرائيلى على جميع بلدان المنطقة كان قد أصبح من حقائق الواقع لسنوات طويلة. صحيح أن الطائرات الشبحية الأمريكية توفر لإسرائيل القدرة على قصف الأهداف فى كل مكان، لكن المعادلة تغيرت وأصبح بإمكان اليمن أن يرسل طائرة تقطع مسافة طويلة جدًّا ثم تتوجه من البحر المتوسط نحو درة الكيان حيث تنفجر مخلفة قتيلًا وبضعة مصابين دون أن تشعر بها تكنولوجيا حلف الناتو التى تحمى إسرائيل وتحيط بها من الأرض والبحر والجو. هذا الحادث خطير بالنسبة للصهاينة بكل أنواعهم وأديانهم وأعراقهم المختلفة، فإذا كانت الرسالة الإيرانية قد وصلت من اليمن بكل هذا اليُسر، فماذا لو انطلقت نفس الطائرة من الجنوب اللبنانى واحتاجت إلى دقائق لتحلق فوق حيفا وعكا وتل أبيب؟.
طبعًا، كان اليمنيون يتوقعون ردًّا إسرائيليًّا كبيرًا، ولم تفاجئهم الغارات المكثفة على ميناء الحديدة، لكن المشكلة أنها لم تقصف سوى أهداف مدنية، وقد تخيرت إسرائيل المرتبكة خزانات الوقود حتى تكون الحرائق كبيرة ومرئية لكى تناسب الدعاية التالية التى يقدمونها لشعبهم وكأنهم ثأروا لكرامتهم!.
الحقيقة أن القواعد العسكرية ومخازن السلاح اليمنية مثلها مثل أسلحة حزب الله مدفونة على أعماق كبيرة فى باطن الأرض حتى لا تصطادها الطائرات الإسرائيلية الحديثة، ولقد استفاد خصوم إسرائيل من معاركهم الطويلة معها، فأصبحوا يستخدمون تكنولوجيا الحفر الإيرانية، ولم يتركوا للعدو فوق الأرض غير الأهداف المدنية التى اعتادت إسرائيل أن تستبيحها. والآن وصلنا إلى مرحلة من الصراع لم تكن بهذه الصورة من قبل. طريقة إسرائيل المعتادة فى فرض إرادتها لم تعد متاحة. صحيح أن العالم مازال يتغاضى عن جرائمها. وصحيح أنها لا تخضع لأى قوانين أو شرائع دولية.. لكن خصومها صار بوسعهم أن يؤلموها وأن يُلحقوا بها دمارًا لم تعرفه من قبل. السباق أصبح الآن داخل إسرائيل وفى أضابير حلف الناتو كيف يضيئون النقطة العمياء التى تسللت منها المسيرة اليمنية إلى سماء تل أبيب، فى الوقت الذى يبحث فيه أعداؤها عن مزيد من النقاط العمياء التى تجعل القبة الحديدية غير ذات جدوى. الآن، وبصرف النظر عن حجم الدمار وعدد الضحايا بين الطرفين، أصبحت مباريات النار بين إسرائيل والعرب ليست من جانب واحد، ولكن الخراب صار فى الاتجاهين وسوف يكتوى بناره الإسرائيليون الذين اعتادوا أن ينزلوا إلى الملاجئ لدقائق معدودة مرة كل عدة سنوات. الآن، النزول للملاجئ سيطول، وبعد الصعود قد لا يجدون المنزل والمدرسة والمستشفى والجسر؛ لأن اليمنيين واللبنانيين لن يسمحوا بأن تتهدم بنيتهم المدنية، بينما ينعم الإسرائيلى بالأمان. ولا ننسى أن حزب الله قد دمر القرى الحدودية بالكامل بعد هجر الإسرائيليين لها، ولن تكون صالحة للسكنى إذا عادوا إليها إلا بعد سنوات. الخوف من التدمير المتبادل هو ما يردع الإسرائيليين عن غزو لبنان وإعادتها إلى العصر الحجرى كما هددوا وكما يحلمون.