بقلم : أسامة غريب
قد يتساءل البعض لماذا لا تُبدى الولايات المتحدة اعتراضًا على أن يحكم تنظيم القاعدة سوريا، بالنظر لكونه التنظيم الذى هاجمهم فى ١١ سبتمبر؟. ربما لا تكون الإجابة سهلة ولكن معروف أن مثل هذه التنظيمات تغير أهدافها وولاءاتها وتضبط الموجة فى كل مرحلة على استحقاقات تراها واجبة، ولعل العداء للأمريكان والإسرائيليين ليس قائمًا فى المرحلة الحالية، لكن التعاون والتغاضى والإغضاء هو سمة اللحظة الراهنة.
إن ميادين الجهاد المفضلة الآن فى سوريا هى ضد المدنيين العزل الضعفاء لفهمنا لماذا أقاموا مجزرة دموية ضد سكان الساحل الغربى لسوريا فى الأيام الماضية، بينما وقفوا يتفرجون على العدو الإسرائيلى يجتاح الأرض السورية ويقتطع منها كل يوم مساحات جديدة. وهذا الموقف الذى ينظر له البعض بدهشة بالقياس إلى أن مثل هؤلاء الجهاديين يضحون بأرواحهم بسهولة يمكن فهمه على ضوء أن مواجهة الإسرائيليين فى عرف هؤلاء هى معركة خاسرة قد يترتب عليها فناء عظيم، أما محاربة المدنيين وذبحهم فى الشوارع فهو جهاد آمن، فضلًا عن أنه لا يوجد لدى الجهاديين الشيشان والتركمان سبب لتحرير الأرض السورية ولكن ما يشغلهم هو إقامة إمارة على أى جزء من الأرض تسمح به الولايات المتحدة وإسرائيل تكون نواة لدولة الخلافة التى هى الحلم الأكبر.
لقد تم إفساح المجال أمام أبو محمد الجولانى ليظهر على الناس فى صورة رجل الدولة، ولذلك تم استقباله كرئيس لسوريا، لكن هذه المحاولات معطوفة على خطاباته التى حاول فيها أن يخفى أنيابه القديمة سقطت مع كل اختبار واجهه نظام الحكم الجديد. وحتى إذا كانت نوايا الرجل صادقة ورغبته فى إقامة دولة يستظل بها الجميع حقيقية، فإنه لا يمكن للجولانى أو الشرع أو أيًا ما كان اسمه أن يقيم دولة طبيعية يطبق فيها الطائفيون الذين صارت لهم الغلبة قانونهم الخاص. إن الدولة تختلف عن التنظيم الإرهابى فى أنها لا تنتقم، وإذا وقع اعتداء ضد جنودها فإنها تقبض على الجناة وتقدمهم لمحاكمات عادلة، لا أن تندفع إلى الشوارع فى وحشية وتكتسح بلدات بأكملها ردًا على اعتداءات وقعت.