بقلم - أسامة غريب
على ناصية حارة وِدن القطة، جلس حمامة الفلايكى على القهوة مغمض العينين يستمع إلى عبدالوهاب يشدو بأغنية: ليه ليه يا عين ليلى طال. كان من الواضح أن الفلايكى قد انتشى تمامًا وموسيقار الأجيال يختم غنوته والكورس من خلفه يطلقون الآهات.
لم يندهش من حالة الوجد الشفيف التى اتنابته أثناء الاستماع للغنوة، إذ إن ليلى مراد نفسها ومعها نجيب الريحانى ويوسف وهبى قد تأثروا، لدرجة أن الريحانى لم يستطع أن يمسك دموعه والمطرب يقول: ضحيت هنايا فداه وحاعيش على ذكراه.. بعد قليل أقبل عليه بعض أصدقائه، وعلى رأسهم شرحبيل بن نوسة، الذى جاء وفى يده الريس كازوز، ثم أتى بعد قليل نعيم شمبانزى وقبارى وبدرانوف.
قد يكون مفيدًا أن نعرف أن إبراهيم كازوز هو زوج نوسة والدة شرحبيل، ورغم أن نوسة قد تركته وهربت مع إسماعيل بالونة ولم تحترم رابطة الزواج المقدسة إلا أن كازوز لم يتخل عنها وهى تواجه الاتهام بقتل بالونة. من جهة أخرى، فإن نعيم عاد ينضم إلى مجلس حمامة على القهوة بعد أن كان حانقًا عقب الخدعة التى تعرض لها فى هلسنكى حيث قبض شرحبيل قيمة الجائزة ولم يدفع لشمبانزى (الذى قام بتمويل الرحلة) ما تم الاتفاق عليه.
كان الانفعال لا يزال باديًا على حمامة من أثر الأغنية. بادرهم بالسؤال: عارفين يا جماعة مدى عظمة هذه الأغنية التى كان يذيعها الراديو لعبدالوهاب؟.. تصاعد الحماس من جانبهم متفقين على حلاوة اللحن والأداء مع كلمات حسين السيد. قاطع حمامة حماسهم قائلًا: لكن يثير جنونى أننى رغم استماعى للغنوة مئات المرات لم أعرف أبدًا ماذا يقول الكورس وهو يرد على عبدالوهاب عند مقطع: ضحيت هنايا فداك، فهل منكم من يعرف ماذا يقولون؟.
حك كازوز أنفه قبل أن يقول: أعتقد أنهم ينشدون: قبل ما تنام بالليل، اشرب واحد كوكتيل!. امتعض حمامة وهو ينهره قائلًا: كوكتيل إيه بس يا كازوز؟!.. وهنا تدخل شمبانزى: بل يقولون: ياللى انت متر دوتيل.. سيبك من أم ديل!. ضرب حمامة كفًا بكف وهو ينظر لشرحبيل: شايف أصحابك يا ابن نوسة!. قفز بدرانوف من على كرسيه قائلًا: وجدتها.. إن الكلام هو: أمك بتركب خيل..وتروح مخرّ السيل!.
قال الفلايكى يائسًا: أنا اللى غلطان يا جماعة.. لقد آشركتكم فى أمر يفوق قدراتكم وكنت أظن فيكم الرجاء. شعر الجميع بالحرج، لكن قبارى رفع يده راغبًا فى الحديث. أشار له حمامة أنْ تفضّل. قال قبارى: أظن وبعض الظن إثم وقلة أدب أن القول هو: طول عمرى شايلك شيل، يا راكب المونوريل!. نظر حمامة للجمع المتحلق حوله ثم رفع بصره للسماء كأنما يتساءل مثلما فعل القذافى من قبل: مَن أنتم؟.
سَرَت بينهم همهمة ولسان حالهم يرفض موقف الفلايكى الذى لا يعجبه العجب. تساءل حمامة وهو ينظر لشرحبيل: وأنت يا صديقى ما قولك؟ رد ابن نوسة: إننى أعرف الإجابة سلفًا، لكنى انتظرت حتى أعطى كل واحد فرصته.. إنهم ببساطة يقولون: بتاع الخزين يا توم.. خلانى أروح فى النوم!.