بقلم: أسامة غريب
انتحى شرحبيل بن نوسة بصديقه حمامة الفلايكى في ركن قصىّ من القهوة بعيدًا عن الأسماع. همس شرحبيل: أنقذنى يا حمامة، أنا في ورطة ولا أدرى ماذا أفعل. قبل أن يرد حمامة، اندفع ابن نوسة: أحتاج إلى المال، بل إلى الكثير منه لأنقذ نوسة. أبدى الفلايكى دهشته: أي فلوس يا رجل وأنت قبضت قيمة الجائزة ونصبت على نعيم شمبانزى من أجل توكيل محام للست الوالدة في القضية المتهمة فيها بقتل إسماعيل بالونة؟. رد شرحبيل: فلوس الجائزة لا تكفى لأن الست نوسة رفضت المحامى الذي أحضرته لها وتصر على توكيل وحيد الديب للدفاع عنها.
قال الفلايكى: ولكن وحيد أتعابه كبيرة ونتائجه غير مضمونة وقد تحصل نوسة على تأبيدة بعد أن تبيع الجلد والسقط. قال شرحبيل: لقد باعت الغوايش والكردان والحلق، ومع ذلك ما زلنا بعيدين عن الأتعاب المطلوبة.- وماذا ستفعل يا رجل؟- عندى خطة لكن أحتاج مشورتك.- ما خطتك؟ قال ابن نوسة: أفكر في إنشاء شركة للدعاء المستجاب!..- يعنى إيه؟.- يعنى كل من أراد أن يحقق أمنية أو أراد الدعاء على ظالم يأتى إلىَّ وأنا سأتكفل بإحضار أناس مبروكين وبينهم وبين السماء عمار من أجل أن يتولوا الدعاء لصالح الشخص بعد أن يدفع الفيزيتا.
صمت حمامة قليلًا وبدا أنه يزن الفكرة في رأسه ثم قال متسائلًا: ولكن ألا تدرى يا شرحبيل أن أكثر ما يسعد الظالم هو اكتفاء المظلومين بالدعاء عليه، لأن هذا الدعاء نادرًا ما أسفر عن عقاب المجرمين، والناس منذ قديم الأزل تدعو بالخير لنفسها وبالوبال على أعدائها.. ومع ذلك فلا شىء يتحقق!. فغر شرحبيل فاه مصدومًا من رد صاحبه لكنه لم ييأس: ربما أنت وحدك يا حمامة الذي يعرف هذه الحقيقة.- أي حقيقة؟- حقيقة أن التلميذ قبل أن يطلب من الله النجاح عليه أن يذاكر أولًا.. هذه الحقيقة يجهلها معظم الناس ونحن سنشتغل على هؤلاء.
قال الفلايكى: تريدنا أن ننصب على الناس من خلال مؤسسة الدعاء المستجاب؟.- لن ننصب على أحد وإنما سنوظف عندنا بعضًا من أفضل الناس، وهؤلاء دعاؤهم مستجاب. تساءل حمامة: وهل يمكن أن تؤجل الدفع حتى يستجاب الدعاء ويتحقق المراد؟ رد شرحبيل: هذه هي الحماقة بعينها.. إن كل الناس يا صاحبى سينكرون أن ما أرادوه قد تحقق، وذلك للهروب من دفع الفاتورة!.
شَخَصَ حمامة ببصره للأمام وغرق في الصمت لدقائق قبل أن يسأل صاحبه: أبوك اسمه إيه يا شرحبيل؟- ولماذا الإحراج يا رجل؟- طول عمرنا نقول ابن نوسة ولم نعرف أبدًا اسم أبوك.- نوسة لم تخبرنى بهذه المعلومة.- وماذا عن المكتوب في البطاقة وشهادة الميلاد؟- أي بطاقة وأى شهادة؟. ضحك حمامة مندهشًا: يبدو أن ما يقولونه في الحارة صحيح بشأن والدك.- وماذا يقولون؟- إنهم يرددون أنك ابن إسماعيل بالونة!. شهق شرحبيل من الصدمة: بالونة الحرامى المتهمة أمى بقتله؟!. قال حمامة متراجعًا وقد أفزعته صدمة صديقه: دعنا من هذا ولنرجع إلى مشروعنا الخاص بمؤسسة الدعاء المستجاب.